يُعرّف قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية التعويضات بأنها:
إن التعويضات هي النتيجة الطبيعية والضرورية لأي عملية تتعلق بالعدالة، إذ يرى الأشخاص المنتمون إلى المجتمعات المحلية التي تأثرت بإرث من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو الجرائم الدولية أن حتى تدابير المساءلة أو السياسات أو العمليات الأكثر شمولاً لن تكتمل دون توفير تعويضات فعالة.
ولى المجتمع الدولي المزيد من الاهتمام لبناء مؤسسات تركز على الأشكال الجزائية للمساءلة ولاسيما التحقيقات والملاحقات القضائية، فلقد فشلت المؤسسات أو الآليات أو السياسات التي تركز على التعويضات في مواكبة التقدم، ويرجع ذلك أساسًا إلى الطبيعة الخاصة للتعويضات بحكم تعريفها، أي أنها فريدة من نوعها وتختلف عن الأجزاء الأخرى من القانون، وتتطلب أيضًا قدرًا كبيرًا من التأييد المحلي لتتسم بالشمولية، لذا فعملية تقديم تعويضات مجدية مهمة للغاية ولكنها تنطوي على العديد من الصعوبات.
أصدرت الأمم المتحدة “مبادئها الأساسية” بشأن التعويضات التي تقسم مفهوم التعويضات إلى الفئات الخمس الرئيسية التالية: ١) رد الحقوق ٢) والتعويض ٣) وإعادة التأهيل ٤) والترضية ٥) وضمانات عدم التكرار.
يمكن أن تكون التعويضات فردية أو جماعية أو معنوية أو جميعهم، ومن المقبول دوليًا ما نصت عليه محكمة العدل الدولية في القضية المتعلقة بمصنع تشورزو أن” التعويضات يجب أن تمحي آثار الفعل غير القانوني وتعيد الوضع كما كان لو لم يُرتكب هذا الفعل”، وقد يكون ذلك ممكنًا في بعض الحالات (مثل إعادة الممتلكات المُستولى عليها أثناء الحرب)، وقد لا يكون ذلك مجديًا في حالات أخرى (مثل محو آثار التعذيب الذي يتعرض له جسد شخص ما).
وثمة العديد من المعايير المرتبطة بالتعويضات في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وفُسر الحق في الانتصاف الفعال على أنه الحق في الحصول على تعويض في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويمكن استخلاص هذه الحقوق من الصكوك والمؤسسات الإقليمية لحقوق الإنسان مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ورأت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في قضية القس كريستوفر ر. متيكيلا ضد جمهورية تنزانيا المتحدة “وجوب تقديم التعويضات الكافية في حالة انتهاك أي التزام دولي تسبب في ضرر”.
تلتزم الدولة التي تنتهك قوانين الحرب بتقديم التعويضات وذلك بموجب القانون الدولي الإنساني وفي سياق النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومع ذلك فثمة تحديات تنجم عن محاولة الضحايا إنفاذ الحق في التعويضات أمام المحاكم الوطنية، وتنبع هذه التحديات أساسًا من حقيقة مفادها أن القانون الدولي التقليدي ينص على أن الدول فقط هي التي تتمتع بحقوق ومسؤوليات كاملة باعتبارها كيانات خاضعة للقانون الدولي، ويعتبر الأفراد مستفيدين وعادة ما يتعين عليهم الحصول على حقوقهم من خلال وطنهم، وقد أثبت التاريخ أن الدول تميل إلى عدم فرض عقوبات على نفسها.
ينص القانون الجنائي الدولي على أن المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة تدرج مهمة تقديم التعويضات في وثيقتها الدستورية وهي نظام روما الأساسي، إذ تنص المادة ٧٥ من هذا النظام على أن المحكمة يجب أن تضع مبادئ لتقديم التعويضات وتأمر الشخص المدان (وليس الدولة) بدفع تعويضات، وتنص المادة ٧٩ من نظام روما الأساسي على إنشاء صندوق استئماني لصالح ضحايا الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وعلى الرغم من الطموحات الكبيرة إلا أن الصندوق الاستئماني للضحايا التابع للمحكمة الجنائية الدولية لم يتمكن من تقديم تعويضات مجدية في القضايا التي تنطوي على أعداد كبيرة من الضحايا نظرًا لمحدودية الموارد، وأمرت المحكمة بدفع تعويضات في قضايا مختلفة مثل المدعي العام ضد توماس لوبانغا دييلو والمدعي العام ضد بوسكو نتاغاندا فيما يتعلق بالوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والمدعي العام ضد أحمد الفقي المهدي فيما يتعلق بالوضع في مالي.
على الرغم من إصدار المعايير المتعلقة بالتعويضات على المستوى الدولي، فقد توفر الإجراءات والبرامج الوطنية أفضل فرصة لمعظم الضحايا للحصول على الإنصاف في أعقاب أعمال العنف الجماعي، وتعتبر الأنظمة الوطنية أكثر ملاءمة لتلبية الاحتياجات الخاصة للضحايا في مواقع محددة وإدارة المسائل المتعلقة بتحديد أولويات الضحايا والمجتمع ككل، ويمكن أيضًا أن تمثل أنظمة المطالبات المدنية المحلية العادية خيارًا محتملًا يمكن الاعتماد عليه بقوة لتوفير سبل الانتصاف الظروف التي لا يزال فيها نظام المحاكم الوطنية قائمًا وفي الظروف التي لا يُحرم فيها الضحايا من حقوقهم بسبب التمييز أو غيره.
والأمر الجلي هو معاناة آليات العدالة الدولية الدائمة لتأمين الموارد الكافية لتقديم تعويضات شاملة للسكان الذين عانوا من أعمال العنف واسعة النطاق والمنهجية، ومن الأنسب أن تقع هذه المسؤولية على عاتق الدولة. ولكن بدلًا من التخلي عن كل المسؤولية، يمكن بل وينبغي الاستفادة من عمليات العدالة الدولية الحالية لتحقيق نتائج أكثر شمولًا تتعلق بتقديم التعويضات محليًا، ورُوج لمفهوم التعويضات على نطاق واسع في القطاعات القانونية والسياسية باعتبارها ضرورية لسد فجوة الإفلات من العقاب. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة كبيرة في تنفيذ التدابير اللازمة لتقديم تعويضات فعالة على المستويين الوطني والدولي.
ولسد هذه الفجوة ينبغي على الجهات الفاعلة داخل السودان النظر في الاستفادة من عمليات العدالة الدولية (مثل المحكمة الجنائية الدولية) في المستقبل لخلق المساحة القانونية والسياسية اللازمة لاتخاذ تدابير تسهل عملية تقديم تعويضات محلية شاملة، ولا غنى عن هذا الشكل من التكامل إذا أردنا تحقيق العدالة من خلال تقديم التعويضات.