ما هو القانون الجنائي الدولي؟
القانون الجنائي الدولي هو مجموعة فرعية من القانون الدولي العام الذي ينسب المسؤولية الجنائية للأفراد، وينظم القانون الدولي العام علاقات الدول و حقوقها ومسؤولياتها، ويتعامل القانون الجنائي عمومًا مع المحظورات الموجهة للأفراد، والعقوبات الجنائية على انتهاك تلك المحظورات التي تفرضها الدول، ويشتمل القانون الجنائي الدولي على عناصر القانون الدولي العام والقانون الجنائي، إذ يحتوي على المصادر نفسها التي يحتوي عليها القانون الدولي في حين أن عواقبه هي عقوبات جزائية مفروضة على الأفراد.
مصادر القانون الجنائي الدولي
باعتباره مجموعة فرعية من القانون الدولي، فإن مصادر القانون الجنائي الدولي هي تلك نفسها التي تشكل القانون الدولي، ويرد التعداد الكلاسيكي لهذه المصادر في المادة ٣٨ (١) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لعام ١٩٤٦، ويتألف من الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي العرفي والمبادئ العامة للقانون، ويشتمل أيضًا باعتباره تدبيرًا فرعيًا على القرارات القضائية والكتابات القانونية الأكثر كفاءة، وتُستمد الجرائم التي يغطيها القانون الجنائي الدولي من القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وعناصر من القانون الجنائي المحلي.
الجرائم الدولية
- جريمة الإبادة الجماعية
دخلت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (أو “اتفاقية الإبادة الجماعية”) حيز التنفيذ في عام ١٩٤٨، وتُعرف جريمة الإبادة الجماعية في المادة ٢ من اتفاقية الإبادة الجماعية و المادة ٦ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنها تتألف من خمسة أفعال محددة تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه، وتشمل الأفعال الخمسة: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم، وإخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها، ومنع الولادات داخل الجماعة، ونقل الأطفال من جماعة إلى أخرى عنوة.ويمكن ارتكاب هذه الأفعال في أوقات السلم أو النزاع المسلح، فلا يُشترط وجود صلة بينها وبين النزاع المسلح، وكانت أول إدانة تصدر عن محكمة دولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قضية رئيس بلدية مدينة طابا جان بول أكايسو في رواندا، إذ وجهت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لأول مرة في التاريخ اتهامات لأكايسو بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وأدانت المحكمة نفسها عدة متهمين آخرين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في رواندا، ووجهت محاكم أخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ومحكمة كمبوديا اتهامات لأفراد أخرى بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وأحد الانتقادات الرئيسية الموجهة لتعريف جريمة الإبادة الجماعية هو أنه تعريف غير شامل، إذا إنه لا يتضمن مجموعات مثل المجموعات السياسية أو الثقافية.
- الجرائم ضد الإنسانية
الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم بغيضة، إذ إنها تشكل اعتداء خطيرًا على كرامة الإنسان أو إذلالا أو إهانة خطيرة لشخص أو أكثر من البشر، ولا توجد صلة بينها وبين النزاع المسلح مثلها مثل جريمة الإبادة الجماعية، فيمكن أن تحدث أيضًا في وقت السلم، وتنقسم الجرائم ضد الإنسانية إلى مستويين وفقًا للمادة ٧ (١) من نظام روما الأساسي: يشمل المستوى الأول الأفعال المرتكبة مثل القتل، أو الإبادة، أو الاسترقاق، أو إبعاد السكان أو النقل القسري لهم، أو السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية، أو التعذيب، أو الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الاضطهاد، أو الاختفاء القسري، أو الفصل العنصري وغيرها من الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، أما المستوى الثاني الذي يُعرف باسم “العنصر الافتتاحي“، فيقضي بارتكاب هذه الأفعال باعتبارها جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.ويوضح نظام روما الأساسي أن عبارة “هجوم موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين” تعني نهجًا سلوكيًا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المحظورة، ويُنفذ الهجوم عملًا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزًا لهذه السياسة، وليس من الضروري الإفصاح عن مثل هذه الخطة أو السياسة بوضوح أو الاتفاق عليها رسميًا ولكن يمكن فهمها من خلال النظر في جميع الظروف التي كانت موجودة في وقت ارتكاب الجريمة. وعلى عكس جريمة الإبادة الجماعية، لا تختص الجرائم ضد الإنسانية مجموعة بعينها، بل يمكن أن يكون أي سكان مدنيين بغض النظر عن انتمائهم أو هويتهم ضحايا للهجوم، وثمة فرق آخر بين الجريمتين، إذ إنه ليس من الضروري إثبات وجود قصد جنائي خاص في الجرائم ضد الإنسانية، ويكفي أن تكون هناك نية لارتكاب أي من الأفعال المحظورة المذكورة باستثناء فعل واحد وهو الاضطهاد، فهو يتطلب وجود قصد جنائي خاص للتمييز بين الأشخاص لأسباب محددة.
- جرائم الحرب
تنبع جرائم الحرب من مجرد الإدراك بالمسؤولية المتمثلة في حماية أشخاص معينين وحظر سلوكيات محددة أثناء الحرب، فلا يُسمح باستخدام جميع وسائل الحرب، ويرد جزء كبير من الإطار القانوني الذي يحدد السلوكيات المُرتكبة أثناء الحرب في اتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩ والبروتوكولين الإضافيين لعام ١٩٧٧، وتكمله العديد من الاتفاقيات الأخرى التي تنظم أساليب الحرب ووسائلها، وتُعرّف المادة ٨ من نظام روما الأساسي جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقوانين والأعراف السارية في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي؛ لذا وعلى النقيض من جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، يجب أن تقع جرائم الحرب في سياق نزاع مسلح سواء كان دوليًا وهو النزاع الكلاسيكي الذي ينشب بين دولتين أو نزاعًا مسلحًا غير دولي وهو الذي يتضمن قتال القوات المسلحة ضد مجموعات مسلحة منظمة أو قتال المجموعات المسلحة المنظمة ضد بعضها البعض. وأخيرًا، قد تحدث جرائم الحرب في سياق يجمع بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية التي تحدث في وقت واحد، ويجب أن يصل النزاع إلى حد معين من الشدة لتصنيفه على أنه نزاع مسلح غير دولي وهو ما يُعرف “بالعنف المسلح المتطاول الأجل” الذي يتجاوز أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة.تميز المادة ٨ من نظام روما الأساسي بين جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وتقدم قائمة شاملة بالأفعال التي تشكل جرائم حرب في كلا السيناريوهين، وفيما يلي بعض الأفعال التي ترقى إلى جرائم حرب:
١- جرائم الحرب ضد الأشخاص الذين يحتاجون إلى حماية خاصة، وذلك يشمل ارتكاب أفعال مثل القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب وأخذ الرهائن وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، وتجنيد الأطفال دون سن ١٥ عامًا للمشاركة في النزاعات المسلحة وما إلى ذلك.٢- جرائم الحرب ضد أولئك المسؤولين عن تقديم المساعدة الإنسانية وعمليات حفظ السلام.
٣- جرائم الحرب ضد حقوق الملكية وغيرها من الحقوق، وذلك يشمل أفعالًا مثل تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للدين أو التعليم أو الفن أو العلوم أو الأغراض الخيرية أو المعالم التاريخية أو المستشفيات.
٤- استخدام أساليب الحرب المحظورة، ويشمل ذلك أفعالًا مثل التجويع أو النهب أو الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الحمل القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي.
٥- وسائل الحرب المحظورة، وذلك يشمل استخدام السموم أو الأسلحة المُسممة، أو الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات، والرصاص الذي يتمدد أو يتسطح بسهولة في جسم الإنسان، وغيرها من الوسائل الأخرى.
لكي يرقى فعل ما إلى جريمة حرب، فيجب أن تكون هناك “رابطة” أو صلة فعلية بين هذا الفعل والنزاع المسلح، ويُعرف ذلك بالعنصر السياقي الذي يتطلب أن يكون الفعل قد أُرتكب في سياق نزاع مسلح دولي أو غير دولي وكان مرتبطًا به. ثانيا، يجب أن يكون لدى مرتكب الجريمة نية ارتكاب الفعل المعني وأن يكون على علم بوجود النزاع المسلح، ويعرف ذلك بالعنصر العقلي الذي يتطلب وجود نية ارتكاب الفعل الفردي ومعرفة العنصر السياقي، وعلى عكس الجرائم ضد الإنسانية يمكن ارتكاب جرائم حرب ضد المقاتلين أو غير المقاتلين (السكان المدنيين).
تلخيص ما سبق في نقاط رئيسية:
- من الأفضل فهم القانون الجنائي الدولي باعتباره محاولة تقوم بها الدول للتصدي لأخطر الجرائم التي تثير اهتمام المجتمع الدولي.
- يتناول القانون الجنائي الدولي الجرائم التي تنطوي على مسؤولية جنائية فردية بموجب القانون الدولي مثل جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
- تتطلب جريمة الإبادة الجماعية وجود قصد جنائي خاص لتدمير مجموعة ما على أساس قومي أو إثني أو عنصري أو ديني من خلال ارتكاب أفعال محددة، ولا يشترط وجود رابطة بينها وبين النزاع المسلح.
- الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم بغيضة، إذ إنها تشكل اعتداءاَ خطيرًا على كرامة الإنسان، ولا تعتبر أحداثًا معزولة أو متفرقة بل هي جزء من سياسة حكومة أو ممارسة واسعة النطاق للفظائع التي تتسامح معها الحكومة أو السلطات الفعلية أو تتغاضى عنها، ولا يشترط وجود رابطة بينها وبين النزاع المسلح.
- جرائم الحرب هي انتهاكات جسيمة للقوانين والأعراف السارية في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وتصنف المادة ٨ من نظام روما الأساسي جرائم الحرب على أساس نوع النزاع (أي دولي أو غير دولي)، وتشمل أفعالاً مثل الهجمات على الأشخاص أو الأشياء باستخدام وسائل وأساليب حرب محظورة.
المصادر