للحصول على مزيد من التفاصيل عن العدالة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، يرجى الاطلاع على ورقتي المعلومات بعنوان “دور المحكمة الجنائية الدولية” و”النظام العالمي للعدالة الجنائية الدولية“.
المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الدائمة الوحيدة التي تختص بالتحقيق في أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي ومقاضاة مرتكبيها، وهذه الجرائم هي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، وتسعى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها محكمة الملاذ الأخير إلى استكمال الدور الذي تضطلع به المحاكم الوطنية وليس استبداله، وتخضع المحكمة الجنائية الدولية لمعاهدة دولية تسمى نظام روما الأساسي التي دخلت حيز التنفيذ في ١ يوليو ٢٠٠٢.
السودان ليس طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ٣١ مارس ٢٠٠٥ أن “الوضع في السودان لا يزال يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين”، وأحال الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم ١٥٩٣، وأدى الوضع في دارفور إلى عدد من “الأحداث الأولى” التي تشهدها المحكمة الجنائية الدولية، وتتمثل هذه الأحداث في كونها:
أسفر الوضع في دارفور عن رفع خمس قضايا في المحكمة الجنائية الدولية ضد مشتبه بهم ومن بينهم مسؤولون سابقون في الحكومة السودانية وقادة الميليشيات أو الجنجويد وقادة جبهة المقاومة، ومن بين المشتبه بهم الخمسة فإن السيد علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب) هو الوحيد المحتجز لدى المحكمة الجنائية الدولية ويُحاكم حاليًا، ولا يزال الأربعة الآخرون طلقاء، وهم: عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون، وعبد الله باندا.
وباستثناء باندا الذي يُزعم أنه قاد هجومًا للمتمردين على قاعدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في حسكنيتة، فإن القضايا الأربعة المتبقية أمام المحكمة الجنائية الدولية في السودان تتعلق بسلسلة من الهجمات التي شنتها الحكومة أو الميليشيات ضد المدنيين في دارفور في الفترة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٨، وتشمل التهم الموجهة إلى عمر البشير وحسين وهارون القتل والاغتصاب والتهجير القسري باعتبارهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب (في سياق نزاع مسلح غير دولي) بوادي صالح في وسط دارفور في الفترة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٤، وبالإضافة إلى مواجهة مجموعة من التهم المشابهة لتلك الموجهة لهارون وحسين وعلي كوشيب، فإن السيد البشير متهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ناجمة عن أعمال ارتكبت في شمال دارفور وغربها وجنوبها تمتد في الفترة من ٢٠٠٣ إلى أواخر عام ٢٠٠٩.
ظهرت ديناميكية جديدة في مشهد العدالة والمساءلة في أعقاب النزاع المسلح الذي اندلع في السودان في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ الذي شاركت فيه القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ووردت عدة تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم دولية أثناء النزاع المسلح، وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في إحاطته نصف السنوية أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ١٣ يوليو ٢٠٢٣ أنه يحقق في مزاعم جديدة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور، بما في ذلك مقتل ٨٧ فردًا من طائفة المساليت العرقية، وذكر أيضًا في الإحاطة أن المحكمة لا تزال تمارس اختصاصاتها بموجب القرار رقم ١٥٩٣ لعام ٢٠٠٥ فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة في دارفور، وذكر كذلك أن مكتبه يعطي الأولوية للجرائم التي تُرتكب ضد الأطفال وجرائم العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.
ومن الجدير بالذكر أن دور المحكمة الجنائية الدولية هو استكمال عمل المحاكم الوطنية في السودان وليس استبداله، وذلك يعني أن المحكمة الجنائية الدولية لن تبت في جميع الجرائم الدولية المزعوم ارتكابها في البلاد، ويحد تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من اختصاصات المحكمة بحيث تقتصر على الجرائم المرتكبة في دارفور، مما يعني أنه لن يكون للمحكمة الجنائية الدولية أي اختصاص للتحقيق في الجرائم المُبلغ عنها في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان ما لم يكن من الممكن استخلاص روابط قضائية واضحة بين الاختصاصات الممنوحة للمحكمة بشأن دارفور والعنف الذي يحدث في مناطق أخرى من البلاد بما في ذلك في العاصمة، وفي الوقت نفسه تُطرح مسألة نطاق تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتباراً من عام ٢٠٠٥ وإمكانية تطبيقه على الوضع الحالي.
وذكر مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مرارًا وتكرارًا خلال الفترة الانتقالية أنه كان يركز موارده على تلك القضايا التي أصدر بشأنها بالفعل أوامر اعتقال، ومن المحتمل أن تكون أعداد أوامر الاعتقال الجديدة التي تنشأ عن الجولة الجديدة من التحقيقات التي تجريها المحكمة بشأن السودان محدودة للغاية ولا تصدر إلا لعدد قليل من الجناة المزعومين وذلك بالرجوع إلى التحقيقات الأخرى، و يتعين على السلطات المحلية أو أي آلية أخرى مثل المحاكم المختلطة أن تضطلع بجميع عمليات المساءلة الأخرى سواء التاريخية أو المعاصرة.
ومن القيود الأخرى المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية هو اعتماد عملها على تعاون الدول، فعلى سبيل المثال إذا لم تتعاون دولة ما في تنفيذ أوامر الاعتقال أو دعم التحقيقات أو كليهما، فلن تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من أداء دورها بفعالية. وعلى الرغم من الزيارات المتكررة التي قام بها المدعي العام إلى السودان، فإن عدم التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية وحكومة السودان أسفر عن الفشل في تسليم أربعة من المشتبه بهم إلى المحكمة وعدم اكتمال التحقيقات في قضايا دارفور في الفترة من عام ٢٠٠٣ حتى عام ٢٠٠٩.
ونظرًا لاختصاصاتها المتمثلة في تحقيق العدالة حول العالم، فثمة قيد آخر ذو صلة يتعلق بمحدودية موارد المحكمة التي تُقدمها المحكمة أثناء إجراء تحقيقاتها، وبالتالي تواجه المحكمة تحديات تتمثل تحديد أولوياتها المتعلقة بالقوى العاملة وتمويل عملياتها بفاعلية.
وفيما يتعلق بالتعويضات، أنشأت المحكمة الجنائية الدولية صندوق استئماني لصالح الضحايا يختص بدعم مطالبات تقديم التعويضات للضحايا في حالة الإدانة بعد انتهاء المحاكمة الجنائية إذا ثُبت عدم قدرة الشخص المدان على تقديم هذه التعويضات، ومع ذلك يعاني هذا الصندوق من محدودية الموارد ولم يتمكن حتى الآن من تقديم تعويضات فعالة في الحالات التي تنطوي على أعداد كبيرة من الضحايا. ولكي يتمكن الضحايا في دارفور من الوصول إلى إنصاف مجد أو فعال عن الضرر الذي لحق بهم، سيتعين على النظام المحلي أن يستكمل عمل المحكمة لا سيما فيما يتعلق بإعادة توطين مئات الآلاف من النازحين داخليًا الذين ما زالوا يقيمون في مخيمات في دارفور وتشاد.