مركز العدالة الإلكتروني الخاص بالسودان: أخبار وموارد حول النزاع وأدوات لمعالجة إنتهاكات حقوق الإنسان

تعزيز المساءلة المحلية

نظرًا لمدى انتشار الجرائم الدولية و لمحدودية عدد المحاكم الدولية ونطاقها، فلن يكون إنهاء الإفلات من العقاب على الفظائع المُرتكبة ممكنًا إلا إذا تحملت الجهات الفاعلة المحلية المسؤولية الأكبر فيما يتعلق بمساءلة الجناة، ويتعين محاكمة الجرائم الدولية محليًا استجابةً لاحتياجات الضحايا والناجين واحترامًا لحقوق الإنسان وكرامته، وفي كثير من الأحيان، يبقى الأمل الوحيد للضحايا والمجتمعات الأكثر تضرراً من الجرائم الدولية لتحقيق العدالة هو تعزيز المؤسسات القضائية الوطنية.

الأولويات والتحديات

ضمان إجراء محاكمات عادلة
تعتمد العدالة الجنائية الدولية الفعالة وذات المصداقية والمستدامة على المحاكمة العادلة لأولئك الذين يمتثلون أمام المحاكم، وبموجب الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، يحق لكل شخص، بما في ذلك المتهمون بارتكاب أخطر الجرائم، أن يُحاكموا محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة، ويشمل ذلك الحق في المساواة أمام القانون، وافتراض البراءة، وتقديم المساعدة القانونية مجانًا إذا كان المتهم غير قادر على دفع التكاليف، فالعدالة أمر ضروري لإثبات مصداقية النظام القضائي وفعاليته، وبدونها يفقد الجميع ثقته في نظام العدالة، وخطورة الجرائم الدولية تُعطي أهمية كبيرة للمحاكمات العادلة.

تعتمد المحاكمات العادلة على وجود محاكم متخصصة ونزيهة ولا تتعرض لأي ضغوط أو تدخلات سياسية أو كليهما، ومن الصعب الحفاظ على هذه المعايير في سياق النزاع، حيث يجب على السلطات القضائية إدارة الكثير من القضايا في ظل وجود انهيار مؤسسي وتدخل سياسي.

العفو
تضاءلت عمليات العفو عن بعض الجرائم الدولية خلال العقود الأخيرة بسبب تطور الممارسات والرأي القانوني الوطنيين والدوليين، ومع ذلك، لا يزال إصدار العفو الجزئي والمشروط يشكل ممارسة مألوفة، ولاسيما باعتباره أداة تُستخدم في مفاوضات السلام وتسوية النزاعات السياسية العنيفة. ولا تحظر أي معاهدة دولية استخدام العفو صراحةً، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من احتواء بعض الصكوك، مثل اتفاقية الإبادة الجماعية، على التزامات بمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، وبينما يمكن الاستفادة من العفو لحماية مرتكبي الجرائم الدولية، فمن المؤكد أن استخدامه بحكمة قد يسهل اتفاقيات السلام أو يعزز من سقوط النظام القمعي أو يقنع المقاتلين بنزع سلاحهم، ويُقترح عدم محاكمة جميع مرتكبي الفظائع أو مقاضاتهم بعد فترات العنف المسلح واسعة النطاق، وبالتالي، قد تستفيد بعض الجهات من العفو الفعلي وليس القانوني.

واستجابة للفظائع التي اُرتكبت أثناء فترات النزاعات العنيفة أو القمع، نأمل أن تجري الدول تحقيقات فعالة في هذه الفظائع، ومحاكمة المسؤولين عنها وتوفير سبل الانتصاف للضحايا، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير فعالة لضمان عدم تكرار هذه الجرائم في المستقبل. وفي أعقاب النزاعات أو الحكم القمعي، قد يصعُب على أي دولة الوفاء بهذه الالتزامات في آنٍ واحد، لأن الأمر يتطلب وجود حكومة انتقالية لتحقيق المساءلة، وتعزيز بناء السلام والمصالحة، إلى جانب إعادة إنشاء مؤسسات فاعلة لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاعات، ومنع ارتكاب الانتهاكات في المستقبل على نحوٍ فعال، فلا غنى عن هذه التدابير للتعافي من آثار النزاعات ومنع ارتكابها، ولكن قد تقوض تدابير منع ارتكاب أعمال العنف وتعزيز السلام من تحقيق المساءلة أو تأخرها.

إن عمليات العفو ليست غريبة على السياق الأفريقي، فعلى سبيل المثال نص اتفاق لومي للسلام عام ١٩٩٩ بين الأطراف المتحاربة في سيراليون على منح عفو للمقاتلين المتمردين وزعيم الجبهة المتحدة الثورية فوداي سنكوح عن أي فظائع ارتُكبت قبل توقيع الاتفاق، وفي أعقاب أعمال العنف المُرتكبة بعد توقيع الاتفاق، أُلقي القبض على سنكوح وسُلّم إلى المحكمة الخاصة لسيراليون، وهي محكمة مختلطة تدعمها الأمم المتحدة تأسست في مدينة فريتاون، وتوجهت إليه سبعة عشر تُهمة بارتكاب جرائم حرب، لكنه توفي قبل محاكمته عام ٢٠٠٣، ولم يُحاكم أغلب قوات المتمردين في سيراليون على الفظائع التي ارتكبوها، وقرر قضاة المحكمة الخاصة لسيراليون بشكل منفرد أنه على الرغم من وجود قرارات تشريعية بمنع استخدام عمليات العفو، إلا أنها ليست قرارات نهائية، فلم يمنع القانون الدولي الحكومات من اعتماد قوانين العفو، وقد استُخدم العفو أيضًا في سياقات أخرى، مثل كونه أداة تحفيزية للإدلاء بشهادة حقيقية وصادقة في لجان الحقيقة في جنوب افريقيا وغامبيا.

التشريعات التنفيذية المحلية لمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية
يؤكد الكثيرون – بالقدر الذي يكون فيه ذلك ممكنًا في إطار النظام القضائي والمناخ السياسي للدولة – المسؤولية التي تقع على عاتق الدول فيما يتعلق بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان والقانون الدولي الأشد خطرًا في المحاكم المحلية، وتُحدد مسؤولية الدولة الفردية عن محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية في عدد من المعاهدات الدولية، كما أنها تنعكس بوضوح في المادة ١٧ من نظام روما الأساسي، وتتطلب هذه المادة من المحكمة الجنائية الدولية تحديد المسائل المتعلقة بالمقبولية، فلن يكون للمحكمة ولاية قضائية على القضايا التي أعربت الدول أنها مستعدة وقادرة على البت فيها، وكجزء من التزاماتها التعاهدية، توافق كل دولة طرف في النظام الأساسي على سن “تشريعات تنفيذية” تسمح للمحاكم المحلية بمحاسبة المتهمون بارتكاب جرائم دولية، والتحدي الأساسي المتمثل في سن هذه التشريعات هو ضمان بأن الجرائم المحددة في نظام روما الأساسي تُعرف على أنها جرائم في القانون المحلي، وللوفاء بهذا المطلب، يجب على الدولة أن تحدد إلى أي مدى يمكن أن تطبق القوانين المحلية الحالية لمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية، وأن تحدد التناقضات التي تتطلب تعديلًا أو تشريعات جديدة.

التوعية
إن التوعية ضرورية لضمان توفر المعلومات الشفافة والدقيقة لمجتمعات الضحايا، فإذا شعر الجمهور ورأي أن المحاكمة ذات مصداقية وشرعية، فمن الأرجح أن يستعيدوا الثقة في المؤسسات القضائية وبالتالي يتعاونوا مع الإجراءات القضائية الرسمية، كما أن برامج التوعية ضرورية أيضًا لإبطال مفعول المعلومات الخاطئة بشأن عملية المحاكمة التي يمكن أن ينشرها الأشخاص من ذوي النفوذ المتهمون بارتكاب جرائم خطيرة إلى مؤيديهم. 

تلخيص ما سبق في نقاط رئيسة 

  • نظرًا للعدد المهول من القضايا المحتملة، فلن يحصل أغلب ضحايا الجرائم الدولية على الإنصاف أمام المحاكم الدولية والمختلطة.
  • تلعب المحاكم المحلية دورًا محوريًا في إجراء التحقيقات وفي مقاضاة مرتكبي الجرائم.
  • الأولويات والتحديات التي يتعين على النظم المحلية مناقشتها.  
    • الحق في إجراء محاكمة عادلة لأولئك الذين يمتثلون أمام المحاكم.
    • إصدار قرارات العفو وتطبيقها. 
    • تعديل القوانين الحالية أو صياغة تشريعات جديدة لإدراج الجرائم الدولية في التشريعات المحلية.
    • تنظيم مبادرات التوعية لتعزيز الشفافية والشمولية، وبناء الملكية المحلية، وتمكين الجمهور من المناداة بتحقيق العدالة. 

المزيد من المواد للاطلاع 

  • فريق خبراء معهد العدالة الانتقالية (٢٠١٣) “مبادئ بلفاست التوجيهية بشأن العفو والمساءلة”, معهد العدالة الانتقالية بجامعة أولستر (باللغة الإنجليزية). 
  • نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: المادة ١٧ من  نظام روما الأساسيً للمحكمة الجنائية الدولية. (باللغة الإنجليزية وباللغة العربية)
  • العدالة في غرب أفريقيا: منصة موارد إلكترونية لجهود المساءلة عن الجرائم الدولية – مؤسسة وايامو (باللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية).
  • رونالد سلاي (٢٠٠٨) “الفصل السابع: الحصانات والعفو” في إصدار ماكس دو بليسيس. “الدليل الأفريقي للعدالة الجنائية الدولية”، معهد الدراسات الأمنية. (باللغة الإنجليزية).

 

مؤسسة وايامو هي منظمة مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز سيادة القانون، وتعزيز العدالة في قضايا الجرائم الدولية، وتعزيز الشفافية من خلال بناء القدرات القضائية، والوساطة، والصحافة المستنيرة.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
© Wayamo Foundation. All rights reserved.