مع بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خرج مئات الآلاف من السودانيين من مناطقهم الأصلية، وكانت الحصة الأكبر لهؤلاء الضحايا من الأطفال السودانيين في مناطق عديدة، وكان لإقليم دارفور النصيب الأكبر، حيث أكدت إحصائيات الآمم المتحدة إن في دارفور وحدها أكثر من مليون ونصف طفل كضحايا لهذه الحرب، وتليها العاصمة القومية الخرطوم. ووفقا لما كشفه مجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني في تقرير له في سبتمبر الماضي، فإن قوات الدعم السريع جندت آلاف الأطفال، مشيرا إلى أن هذا السلوك ترتب عليه إزهاق أرواح ٤،٨٥٠ طفلا وإصابة ١،١٥٠آخرين، على الرغم من أن أرقام التقارير الوطنية تختلف عن تقارير المنظمات العالمية بشأن عدد القتلى من الأطفال في هذه المعارك.
في هذا السياق، أكد منبر الدفاع الإفريقي في تقرير له نُشر في شهر أغسطس المنصرم، وقوع قتلي بينهم أطفال كانوا يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع خلال معاركها ضد الجيش للسيطرة على قاعدة المدرعات بمنطقة الشجرة التابعة للقوات المسلحة السودانية. أوضح التقرير منذ تلك المعركة، بأن شبح الأطفال الذين يقاتلون ويموتون في صراع السودان، لم يحظى بقدر أكبر من الاهتمام، حيث أطلق الجيش سراح ٣٠ طفلا مجندا، وسلمهم للجنة الدولية للصليب الأحمر في شهر سبتمبر الماضي. وبحسب شيفون مولالي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال، في بيان أدان هذه الظاهرة بعد ورود تقارير تشير إلى أن قوات الدعم السريع تستهدف الأطفال غير المصحوبين بذويهم وأطفال الأسر الفقيرة في ضواحي الخرطوم، وفي دارفور وغرب كردفان، لتجنيدهم في القتال ضد الجيش.
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» عن تلقيها مزيداً من التقارير المثيرة للقلق حول أوضاع الأطفال في السودان في شهر سبتمبر ٢٠٢٣، بما في ذلك تجنيد ٨ آلاف طفل في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كما أوضحت الأرقام المتوفرة لدى «اليونيسيف» مقتل أكثر من ٤٣٤ طفلا وإصابة ما لا يقل ٢٠٢٥ آخرين خلال النزاع بين الطرفين. قالت المديرة التنفيذية «لليونيسيف» كاثرين راسل: “إن السودان ودارفور على وجه الخصوص أصبحت جحيما لا يطاق لملايين الأطفال، حيث يتم استهداف الآلاف منهم عرقيا ويتم قتلهم وجرحهم وإساءة معاملتهم واستغلالهم”. وفي هذا السياق طالبت كاثرين بإنهاء هذا الامر وذلك في ظل ارتفاع العدد المبلغ عنه حول الانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الأطفال في دارفور بنسبة ٤٥٠٪ مقارنة بالعدد الكلي الذي تم التحقق منه في عام ٢٠٢٢.
تنص اتفاقية الطفل التابعة للأمم المتحدة في المادة ١٩، علـى أنه” يجب أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الاهمال، أو المعاملة المنطوية على اهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، سواء كان الطفل في رعاية الوالد أو الوصي القانوني، أو اي شخص يتعهد برعاية الطفل.
وينبغي أن تشمل هذه التدابير الوقائية، لتقديم برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ووضع إجراءات فعالة بشأن رعاية الأطفال من أجل تحديد حالات الإساءة والإبلاغ عنها، والإحالة بشأنها، والتحقيق فيها ومعالجتها، ومتابعتها وتقديمها للقضاء لاحقا.
يري المراقبون، إن هناك أهمية تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التي تُلزم الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية، والاجتماعية المناسبة لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف، أو الأذى، أو الاعتداء الجسدي، اعتمادا على قانون الطفل السوداني لسنة ٢٠١٠، الـي يحظر استخدام الأطفال أو إشراكهم في العمليات العسكرية وتجنيدهم أو استخدامهم في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة الأخرى، إضافة إلى الميثاق الإفريقي الذي يمنع ذلك.
يُبين الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورعايته في المادة ” ٢٢” المتعلقة بالنزاعات المسلحة على أنه يجب أن تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي في حالة نشوب نزاع يؤثر علي الطفل بصفة خاصة، وأن تتخذ في هذا الميثاق جميع التدابير اللازمة لكفالة عدم مشاركة أو تجنيد أي طفل بشكل مباشرة أو غير مباشر في أي صراعات، وبالتالي فيجب على الدول الموقعة أن تقوم طبقا للالتزامات التي تقع علي عاتقها بموجب القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين في حالة نشوب نزاع مسلح، وان تتخذ كافة التدابير الممكنة لكفالة، وحماية، ورعاية الاطفال الذين يتأثرون بتلك النزاعات.
يقول المحامي والباحث القانوني عبدالباسط الحاج، من ناحية قانونية فإن وضع الأطفال في ظروف الحرب، – وفقا لاتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري ومعاهدة جنيف – والمدنيين عموما مشمولون بالحماية خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، والمصابين والجرحى، كما هو منصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، باعتبارها قواعد متفق عليها دوليا، والسودان طرف موقّع على معاهدات جنيف والبروتوكول الاختياري، ومصادق عليه دون تحفظ، وموقّع أيضا على اتفاقية حقوق الطفل.
وفي هذا الإطار، أشار عبد الباسط إلى أن الدولة السودانية ملزمة بتطبيق المعايير الدولية، باعتباره طرفا في اتفاقية حقوق الطفل، وطرفا في البروتوكول الاختياري للطفل، الذي يرفض عدم مشاركة الأطفال في الاعمال القتالية (٢٠٠٤)، ويضيف عبد الباسط أن الأطفال يعتبر أبرياء إذا شاركوا في الاعمال القتالية وارتكبوا جرائم دون السن القانونية (١٨ عاما).
يوضح قانون الطفل السوداني لسنة ٢٠١٠، في فصله الثامن بأنه” يُحظر استخدام أو اشراك الأطفال في الأعمال العسكرية، أو تجنيدهم أو استخدامهم في القوات المسلحة والجماعات المسلحة أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال الحربية” وكما تحدد القوانين واللوائح العسكرية التدابير المناسبة لكل من يخالف أحكام البند (١)
أمّا فيما يتعلق بالتسريح والتأهيل وإعادة الدمج، فيجب على الجهة المختصة تأهيل الطفل – ضحية النزاعات المسلحة- تأهيلا نفسيا وذهنيا، وإعادة إدماجه اجتماعيا، وكذلك تكفل الجهة المختصة بالتسريح وإعادة الدمج تصميم برامج تعين على تسريح الأطفال وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية الممثلة في المؤسسات العسكرية والأمنية والمجموعات المسلحة.
يقول الناشط المدني علي يعقوب، إن أضرار الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تقع على غالبية أطفال السودان، وهو أمر لا يقف عند هذا الحد وحده، بل يتعدى ليشمل تدمير المدارس، أو اتخاذها من قبل النازحين المحليين كمراكز إيواء لهم، ما يعني ببساطة بأنه ليس هناك مكان للدارسة للأطفال كي يتعلموا أو يدرسوا، وإن انقطاع التعليم يؤثر سلبا على نمو الأطفال، مبينا، إن الحرب تؤدي إلى انهيار الخدمات الصحية للطفل، ومن ثَمّ انتشار الأمراض وسوء النظافة، مما يؤثر على صحته ونموه عقليا وبدنيا.
بحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف، الذي يغطي الشرق الأوسط وشمال افريقيا في شهر نوفمبر المنصرم ، فيُعد السودان من أكبر الدول في العالم تأثرا بشأن نزوح للأطفال ، حيث فرّ ٣ ملايين طفل من العنف بحثًا عن الأمان والغذاء والمأوى والرعاية الصحية – معظمهم داخل السودان – بينما لجأ مئات الآلاف إلى مخيمات مؤقتة مترامية الأطراف في الدول المجاورة.
لا يزال الأطفال يتحملون العبء الأكبر من العنف، بحيث إن هناك حوالي ١٤ مليون طفل في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية لإنقاذ حياتهم، فيما يعيش العديد منهم في حالة من الخوف الدائم من التعرض للقتل أو الإصابة أو التجنيد أو الاستخدام من قبل الجمعات المسلحة. لقد انتشرت تقارير عن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، بما في ذلك الاغتصاب، ومع اشتداد القتال في الأسابيع الأخيرة في أماكن مثل الخرطوم ودارفور وكردفان، فإن القلق الحقيقي هو أن انتهاكات حقوق الأطفال قد تتضاعف وذلك في ظل تقارير اليونيسيف المشيرة بوقوع أكثر من٣١٠٠ حالة انتهاك جسيمة، بما في ذلك قتل وتشويه الأطفال.