المرأة السودانية واجهت مآسي عديدة نتيجة استمرار الحرب، من نزوح وهجرة وفقدان معيلي الأسر. لكن معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تعرضت لانتهاكات جسيمة، منها الاغتصاب على يد قوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها في المناطق التي سيطروا عليها. ورغم هذه التحديات، يُجمع كثيرون على أن للمرأة السودانية دورًا أساسيًا في تحقيق السلام، العدالة الانتقالية، والمساءلة في البلاد.
في مناطق النزاع، عانت النساء من أشكال مختلفة من الاستغلال، سواء في دارفور، الجزيرة، أو كردفان. كما تعرضت العاملات في المجال الإنساني للتهديد بالاعتقال، الضرب، وحتى القتل من قبل الأجهزة الأمنية، مثلما حدث مع المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، ازدهار جمعة، في الولاية الشمالية.
ترى المرأة السودانية أن دورها محوري في تحقيق الاستقرار، خاصة في ظل الأزمات التي يمر بها السودان. تؤمن بأن هذا يتحقق عبر تغليب صوت العقل وإنهاء الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، والتي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على كل بيت سوداني في دارفور، الخرطوم، كردفان، الجزيرة، والنيل الأبيض.
تناشد المرأة السودانية أطراف النزاع بالاستماع إلى أصوات النساء النازحات واللاجئات، ممن فقدن أزواجهن وأبنائهن. تؤكد على ضرورة وقف الحرب التي تستنزف كرامة النساء عبر الانتهاكات الجسيمة، مثل الاغتصاب، التحرش الجنسي، الاستغلال، وحتى العبودية الجنسية، داعية إلى وضع حد لهذه المآسي.
تعتبر سعدية هارون، لاجئة سودانية في تشاد، أن استمرار الحرب يعكس فشلًا في تحقيق العدالة الانتقالية للضحايا. وتوضح أن دارفور، التي شهدت نزاعات منذ 2002، لم تشهد أي خطوات جادة من الساسة أو الحركات المسلحة نحو وضع آليات لتحقيق العدالة الانتقالية، أو محاسبة المسؤولين عن مقتل مئات الآلاف في جنوب كردفان والنيل الأبيض، بالإضافة إلى ضحايا الحرب الحالية.
تشدد سعدية على أن استقرار السودان يتطلب محاسبة الجناة، وإلا فإن العنف سيستمر في ظل إفلاتهم من العقاب. وأضافت:
“نطالب النساء في معسكرات اللجوء بالتعاون مع أجهزة العدالة الدولية والإقليمية لكشف وتقديم المتورطين بدماء الأبرياء إلى المحاكم. هذا جهد يحتاج قيادة نسوية قوية.”
أكدت سعدية ضرورة تصدر المرأة لهذا الدور، خاصة وأن أطراف النزاع لا تهتم بمعاناة الأبرياء في المناطق المتضررة، حيث تُقتل النساء بطائرات الجيش في شمال دارفور، كردفان، الجزيرة، والخرطوم.
ترى سعدية أن استقرار السودان مسؤولية مشتركة، تبدأ بأطراف الصراع أنفسهم: الجيش السوداني، قوات الدعم السريع، حلفاؤهم من الحركات المسلحة، والميليشيات. لكنها تشير أيضًا إلى دور منظمات المجتمع المدني وأجهزة العدالة السودانية بالتعاون مع الهيئات الدولية والحقوقية في تحقيق السلام وإنجاز المرحلة الانتقالية.
تؤكد أن المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان يجب أن يلعبوا دورًا محوريًا في مرحلة ما بعد الحرب، من خلال توجيه مسار العدالة والمساءلة، مؤكدة أن هذه المهمة مسؤولية كل سوداني وسودانية. كما دعت الأمهات السودانيات إلى الضغط على الأطراف المتنازعة لوقف الحرب الدموية.
تؤكد الأمم المتحدة أهمية إشراك المرأة بشكل متساوٍ مع الرجل في جهود صنع السلام ومنع النزاعات، باعتباره أولوية لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام. وقد أدرجت القضية في جدول أعمال مجلس الأمن لأول مرة عام 2000، بإصدار القرار 1325.
رغم ذلك، لاحظت الأمم المتحدة أن مشاركة النساء في عمليات صنع السلام لا تزال منخفضة، وأن العديد من اتفاقيات السلام تفتقر إلى أحكام تلبي احتياجات المرأة في مجالي الأمن والسلام.
في فبراير 2020، خلال جلسة للاتحاد الأفريقي بعنوان “سد الهوة في دور المرأة في أجندة السلم والأمن”, تم التركيز على إنهاء النزاعات والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومنع الإبادة الجماعية، مع التأكيد على دور النساء والفتيات الأفريقيات في تنفيذ خارطة الطريق لإسكات البنادق في القارة.
استعرضت النساء والفتيات توصيات لتعزيز المساواة بين الجنسين كعنصر رئيسي في تحقيق السلام والأمن.
تؤكد سارة مصطفى، ناشطة بمنظمات المجتمع المدني، أن المرأة السودانية تمثل ركيزة السلام، ويجب إشراكها في مواقع صنع القرار. وكشفت عن تحركات نسوية لإيصال أصوات النساء من أجل وقف الحرب وتحقيق السلام.
طالبت سارة المجتمع الدولي بدعم المرأة السودانية، مشيرة إلى أهمية إنشاء محاكم مختلطة لضمان العدالة الانتقالية، وسيادة القانون، وتشكيل حكومة مدنية توافقية.
ترى الصحفية عواطف أحمد إسحق أن للمرأة السودانية تاريخًا حافلًا في النضال، لكنها انتقدت غيابها عن طاولات المفاوضات السابقة، رغم مشاركتها في اتفاقيات مثل أبوجا والدوحة. أشارت عواطف إلى تحسن الوضع مؤخرًا، حيث شاركت نساء خبيرات في مفاوضات جنيف بأجندة نسوية قوية.
شددت عواطف على أهمية مشاركة الرجال أيضًا في دعم الأجندة النسوية. لكنها انتقدت الإخفاق في ترشيح النساء، معتبرة أن المرأة كانت الضحية الأولى للحرب، سواء عبر القتل، التعذيب، أو الاستغلال الجنسي.
ترى عواطف أن دور المرأة في العدالة الانتقالية لا يختلف عن الرجل، لكن يجب مراعاة النوع الاجتماعي عند وضع آليات العدالة. دعت إلى تعديل القوانين التي تقيد حريات المرأة، مع تخصيص قسم خاص لانتهاكات النساء في لجان تقصي الحقائق والعدالة الانتقالية.
رغم التحديات، يبقى سؤال مطروح: هل تستطيع المرأة السودانية الضغط لتحقيق السلام؟ الجواب يعتمد على تضافر جهود الجميع. المرأة، بصوتها المسموع في المنظمات الدولية والإقليمية، قادرة على المساهمة في إيقاف الحرب وإحلال السلام.