كشف تقرير صادر عن نقابة الأطباء السودانية في مايو ٢٠٢٤ أن أكثر من ٣٠ ألف شخص قُتلوا وأصيب أكثر من ٧٠ ألفًا منذ بدء الحرب في أبريل ٢٠٢٣. ومن المتوقع أن تكون أرقام الضحايا الفعلية أعلى من ذلك بكثير. ووفقًا للنقابات العمالية السودانية، فقد أدى الصراع إلى نزوح أكثر من ١٢ مليون شخص، مع نزوح حوالي ٩ ملايين داخليًا وأكثر من ٣ ملايين يلتمسون اللجوء في البلدان المجاورة.
في مايو ٢٠٢٤، أفادت “شبكة عاين” أن ٨٠٪ من المستشفيات والمراكز الطبية في السودان أصبحت غير صالحة للعمل بسبب الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. تم تحويل بعض المرافق الطبية إلى ثكنات عسكرية، مما أدى إلى تفاقم النقص الحاد بالفعل في العاملين الطبيين والإمدادات.
أبرز تقرير للأمم المتحدة صدر في يوليو/تموز ٢٠٢٤ القيود الكبيرة المفروضة على المساعدات الإنسانية والهجمات على المرافق الصحية في السودان. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من ٨٠٠ ألف شخص محرومون من الرعاية الصحية الأساسية في دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة. كما تحققت منظمة الصحة العالمية من 82 هجومًا على المرافق الصحية منذ بدء الصراع، داعية إلى حماية البنية التحتية للرعاية الصحية وفقًا للقانون الإنساني الدولي.
تدعو العديد من المنظمات الإقليمية والدولية إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي والمساعدات الطبية للمصابين والنازحين واللاجئين. مشيرة أن تعزيز وتمكين المرافق الصحية أمر ضروري لضمان الرعاية الكافية، حيث، بدون الدعم العاجل، تتعرض هذه المرافق لخطر الانهيار، مما يترك السكان المعرضين للخطر في حلقة من الإهمال واليأس.
تنص اتفاقية جنيف الرابعة (١٩٤٩) على حماية المدنيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية وأولئك الذين لم يعودوا مشاركين في الأعمال العدائية. وتتطلب الاتفاقيات من السلطات المحلية والدولية مقاضاة جرائم الحرب وضمان المساءلة، مع منع الانتهاكات وضمان الرعاية للمصابين.
تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر دورًا رئيسيًا في إعادة تأهيل المصابين أثناء الصراع، بهدف استعادة الاستقلال الجسدي وتحسين نوعية الحياة لأولئك الذين يعانون من إصابات تغير حياتهم. تدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إعادة التأهيل المبكر، وتربطه بالصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي لضمان استمرارية الرعاية بعد العلاج الأولي.
سلط الناشط المجتمعي إدريس إسحاق، من منطقة الحزام الجنوبي بالخرطوم، الضوء على الخسائر المدمرة التي خلفها الصراع على المدنيين. أصيب المئات من الأشخاص بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية، من قبل قوات الجيش السوداني، على تلك المنطقة، باعتبارها منطقة تضم أعداد كبيرة من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، بينما ظلت الرعاية الطبية محدودة بسبب إغلاق الطرق ونقص الموظفين. وفقا لإدريس، تتراوح تكاليف العلاج من ١٠٠ ألف إلى ٤٠٠ ألف جنيه سوداني، ويواجه العديد من المصابين إعاقات مدى الحياة.
كما شارك إدريس تجربته الشخصية في الصدمة العاطفية والعجز عندما أصيب شقيقه الأصغر بشظايا. وقال: “لقد كان من الصعب للغاية سماع صراخه من الألم وهو غير قادر على مساعدته”. وطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في السودان.
وصف محمد آدم، الذي أصيب في أم درمان في منتصف أغسطس/آب، تجربته المروعة في مستشفى النو التعليمي المكتظ. وقال: “أن اللحظة التي لا تنسى في حياتي هي رؤية الشراشف الملطخة بالدماء ورائحة الدم الكريهة”. مضيفا: ” الناس يبكون وينتظرون التبرع بالدم بعد أن فقدوا كميات كبيرة من الدم بسبب إصابات القصف”. ووجه نداءً صادقًا إلى المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
أكد الدكتور أحمد عبد المنعم، رئيس قسم علم النفس بجامعة الخرطوم، أن الاضطرابات النفسية، وخاصة ‘اضطراب ما بعد الصدمة’، شائعة بين الناجين من الحرب. مركدا أنه يمكن أن تؤدي الصدمة غير المحلولة إلى حالات نفسية شديدة ودائمة، بما في ذلك الاكتئاب واليأس.
تحدثت عوضية هارون، وهي لاجئة في تشاد، عن كيف تسببت الحرب في إعاقة والدها، مما أثر بشدة على الاستقرار العاطفي والاقتصادي لعائلتها، فضلاً عن استقرار المجتمع الأوسع. ودعت إلى إنهاء الصراع، وحثت المنظمات الدولية على تقديم الدعم النفسي والطبي لكل من الرجال والنساء. كما أكدت هارون على الدور الحاسم الذي يجب أن تلعبه المرأة السودانية في بناء مستقبل سلمي وعادل.
خلصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن السودان، في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول ٢٠٢٤، إلى أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مسؤولة عن انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات العشوائية على المدنيين والمدارس والمستشفيات والبنية الأساسية الحيوية. وشدد التقرير على الحاجة الملحة إلى قوة مستقلة لحماية المدنيين وضمان الامتثال للقانون الدولي.
كما وجدت البعثة أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب أخرى، بما في ذلك الاغتصاب والاستعباد الجنسي والنهب والتهجير القسري للمدنيين وتجنيد الأطفال الجنود دون سن 15 عامًا.
أكد الخبير القانوني عثمان صالح أن القانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقيات جنيف يلزم جميع الأطراف بحماية المدنيين، وتعتبر الانتهاكات مثل الهجمات على المدارس والأسواق جرائم حرب وقد تصنف كجرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، وشدد صالح على أهمية توثيق هذه الانتهاكات لمحاسبة مرتكبيها.
أبرز عبد الباسط المحامي والباحث في مؤسسة وايامو الحاجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين والنازحين، وأشار إلى الدور الحاسم الذي تلعبه منظمات مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر في تقديم الرعاية بعد الصدمة. ومع ذلك، أقر عبد الباسط بأن الاستجابة الدولية للسودان كانت أضعف من الاستجابات للأزمات الأخرى، مثل تلك في فلسطين وأوكرانيا.
لقد خلفت الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع آثارًا نفسية واجتماعية وإنسانية مدمرة، مما تسبب في نزوح جماعي وإصابات واسعة النطاق وتحديات كبيرة في تحقيق العدالة. ويجب على المنظمات الدولية تكثيف جهودها لحماية المدنيين، وتقديم المساعدات الأساسية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.