منذ اندلاع الصراع في السودان، يواصل طرفا النزاع ارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. مؤخرًا، تصاعدت الانتهاكات التي يقوم بها الجيش عبر قصف المدن بالطائرات الحربية، مستهدفًا أحياءً سكنية مأهولة بالسكان. ونتيجة لذلك، سقط العديد من القتلى والجرحى المدنيين. في المقابل، تستخدم قوات الدعم السريع الطائرات المسيّرة والمدفعية لقصف مدينة الفاشر وأحياء أخرى منذ شهور.
لم تتوقف الطلعات الجوية للطيران الحربي في معظم مدن دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، إضافة إلى ولاية الجزيرة. وقد أودى القصف الجوي بحياة 100 شخص، بينهم نساء وأطفال، وفقًا لمجموعة “محامو الطوارئ”. المجموعة أدانت في بيان لها “القصف الجوي العشوائي” واستهداف المدنيين، معتبرة ذلك انتهاكًا واضحًا لمبادئ التمييز والتناسب في الهجمات العسكرية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني. كما أكدت المجموعة في بيانها أن هذه الأعمال تشكل جرائم حرب مكتملة الأركان، ودعت المجتمع الدولي للتدخل العاجل لحماية المدنيين.
وفي حادثة أخرى، أفادت “محامو الطوارئ” بأن قصفًا جويًا على منطقة حمرة الشيخ بولاية شمال كردفان أسفر عن مقتل 30 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين. وأكدت المجموعة دفن الضحايا في مقابر جماعية.
في تطور لافت، قدمت “تنسيقية القوى السياسية” (تقدّم) مقترحًا لحماية المدنيين، يتضمن إنشاء مناطق آمنة داخل السودان تخلو من الأعمال العدائية، وتنسحب منها القوات العسكرية، ويتوقف فيها القصف المدفعي واستخدام المسيّرات. تُحرس هذه المناطق بقوات دولية مستقلة لضمان سلامة المدنيين، خصوصًا في المناطق الأكثر تأثرًا بالعنف. ورغم دعوة التنسيقية أطراف النزاع لدعم هذا المقترح، لم يصدر أي تعليق من الجيش أو قوات الدعم السريع.
يرى عز الدين مربوع، عضو رابطة محامي دارفور، أن قصف المدن بالطيران يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، نظرًا لأن غالبية الضحايا في مثل هذه الهجمات هم من المدنيين. وأوضح في تصريح لـ”السودانية” أن القصف العشوائي، حتى في حال إنكاره، لا يعفي المسؤولين من المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب. وأضاف أن القاعدة 11 من القانون الدولي الإنساني تحظر الهجمات العشوائية بشكل قاطع، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات تُعرف، بموجب القاعدة 12، بأنها التي لا تستهدف هدفًا عسكريًا محددًا، أو تُنفذ باستخدام وسائل لا يمكن توجيهها بدقة، مما يعرض المدنيين والأعيان المدنية للخطر دون تمييز.
أما عن محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، فأوضح مربوع أن النزاع الحالي، مع انعدام الأمن وضعف سيادة القانون، يعرقل إجراء التحقيقات وجمع الأدلة وضمان سلامة الشهود. كما أن المؤسسات القانونية تعاني من قدرة محدودة على تحقيق العدالة. وأضاف أن جهود بعض مؤسسات المجتمع المدني لتوثيق الانتهاكات عبر المصادر المفتوحة لا تكفي للإدانة القانونية، نظرًا لغياب مقابلات مباشرة مع الضحايا وشهود العيان.
يشير مربوع إلى أن التقاطعات السياسية تعرقل تحقيق العدالة، سواء عبر السيطرة على الأجهزة القضائية محليًا أو سن قوانين تمنح الحصانة للمسؤولين. وعلى الصعيد الدولي، تعقد المصالح المتباينة للقوى الكبرى مسار العدالة، حيث قد يُستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإعاقة أي قرار يتعلق بالتدخل الدولي.
ويرى الباحث في المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام، شوقي يعقوب، أن إنشاء مناطق آمنة وحظر الطيران يتطلب إجراءات مدعومة بقرارات دولية. لكنه أكد أن تمرير مثل هذه القرارات في مجلس الأمن يتطلب توافق الدول الكبرى، وهو أمر صعب في ظل الوضع الحالي ما لم تُجرَ مفاوضات شاملة بين أطراف النزاع.
من جانبه، يؤكد ادم موسى أوباما، المدير التنفيذي لمناصرة ضحايا إقليم دارفور، أن المدنيين في السودان بحاجة إلى حماية عاجلة من الهجمات التي يشنها طرفا النزاع، بما يشمل حظر الطيران الحربي التابع للجيش والمسيرات المستخدمة من قبل الدعم السريع. وأضاف أن على المجتمع الدولي تفعيل قرارات مجلس الأمن الخاصة بحظر السلاح في إقليم دارفور وتوسيعها لتشمل السودان بأكمله.
ورغم التعقيدات الدولية، يرى أوباما أن مجلس السلم والأمن الأفريقي يمكنه رفع توصية لمجلس الأمن بفرض حظر شامل للسلاح والطيران ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات. لكنه شدد على أهمية وجود مجتمع مدني قوي للضغط ضد سياسة الإفلات من العقاب، التي استمرت لسنوات كما في حالة الرئيس المعزول عمر البشير، الذي لم يُقدم بعد إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم إصدار مذكرة توقيف بحقه منذ أكثر من 15 عامًا.
ختم أوباما بالقول إن غياب القضاء المستقل في السودان يجعل من الضروري تقديم المتهمين بارتكاب جرائم الحرب للمحاكم الدولية، مع العمل على إعادة هيكلة الجيش ودمج كافة حاملي السلاح في جيش وطني واحد.