مركز العدالة الإلكتروني الخاص بالسودان: أخبار وموارد حول النزاع وأدوات لمعالجة إنتهاكات حقوق الإنسان

الناجون من شرق الجزيرة: العنف، النزوح، والمطالبة بالعدالة

تقرير مشاعر إدريس

يروي الناجون من قرى شرق الجزيرة بالسودان قصصاً مروعة عن العنف والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في تلك المناطق، بينما يقدم المسؤولون إحصاءات مثيرة للقلق، وسط تساؤلات حول ما إذا كان الضحايا سيتمكنون يومًا من تحقيق العدالة.

أكدت فاطمة عبد الله (اسم مستعار) وهي مواطنة من إحدى قرى شرق الجزيرة، أن قوات الدعم السريع شنت هجمات عنيفة على الفتيات واغتصبت عددًا كبيرًا منهن في المنطقة. وأوضحت أنها اضطرت لتسليم تلك القوات كل أموالها ومجوهراتها وهاتفها مقابل عدم تعرضها للإغتصاب.

بدأت فاطمة حديثها بصوت مبحوح يغمره الألم والدموع، قائلة: “أأطلقت قوات الدعم السريع النار على شقيقي أمام أعيننا حتى فارق الحياة، ولم نستطع حمايته.”

وواصلت حديثها بأسى شديد، مشيرة إلى أنها تعرضت للضرب المبرح أمام أسرتها بعد رفضها الذهاب مع تلك القوات إلى مكان مجهول. وأضافت أنها وأسرتها فروا هاربين من قريتهم إلى إحدى ولايات شرق السودان بعد معاناة طويلة وخوف مستمر من الوقوع في يد قوات الدعم السريع.

من جانبها، تحدثت آمنة صالح (اسم مستعار)، من سكان منطقة ود السيد، إحدى قرى شرق الجزيرة، عن الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون، بما في ذلك نهب ممتلكاتهم وسرقة مواشيهم. ووصفت أوضاع أسرتها بالمأساوية بسبب عدم توفر مكان آمن للاستقرار وافتقارهم للمال اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وأكدت أنهم يعيشون حاليًا في مخيم إيواء يفتقر إلى مقومات الحياة.

في 21 أكتوبر الماضي، نفذت قوات الدعم السريع حملات انتقامية استهدفت عشرات القرى في شرق الجزيرة، عقب انشقاق قائدها في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه إلى صفوف الجيش السوداني.

عنف ممنهج في الجزيرة

أكد المبر محمود، الأمين العام لمؤتمر الجزيرة، وهو كيان مدني تشكل بعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في وسط السودان في ديسمبر الماضي، أن قوات الدعم السريع مارست عنفًا ممنهجًا على أساس الهوية العرقية ضد المدنيين في شرق الجزيرة. وكشف عن ارتكاب القوات انتهاكات في جميع مدن وقرى الجزيرة البالغ عددها 515، حيث هجّرت قسرًا سكان 400 قرية، بما في ذلك تهجير كامل لبعضها، فيما بقيت قرى أخرى تحت الحصار، ما حرم مواطنيها من الحركة والخدمات الأساسية.

وأشار إلى مقتل أكثر من 1700 مواطن واغتصاب 71 امرأة وفتاة، إضافة إلى نزوح أكثر من مليون ونصف مواطن، منهم 850 ألفًا من سكان المنطقة والبقية كانوا نازحين إليها من الخرطوم ومناطق أخرى في الجزيرة.

الفرار شرقًا وشمالًا

وأوضح محمود أن معظم النازحين اتجهوا إلى ولايتي كسلا والقضارف شرقًا، أو إلى نهر النيل والشمالية شمالًا. وأشار إلى أن عدد النازحين في محلية شندي بولاية نهر النيل وحدها تجاوز 100 ألف شخص، موزعين على 40 مخيمًا، يعانون جميعًا من نقص الخدمات الأساسية وانتشار الأوبئة، خاصة الكوليرا.

وأضاف أن معظم القرى باتت الآن خالية من السكان ومنهوبة، وبعضها الآخر يخضع للحصار. وأوضح أن عاصمة المحلية، مدينة رفاعة، محاصرة حاليًا، حيث يعاني المدنيون من الموت البطيء بسبب الاحتجاز وانتشار الأمراض وغياب الغذاء والخدمات الصحية.

ضرورة إيقاف الحرب

اعتبرت القانونية رحاب المبارك أن تحقيق العدالة للضحايا في شرق الجزيرة يبدأ بإيقاف الحرب أولًا، ثم العمل على بناء دولة مؤسسات وقانون تضمن إصلاح القوانين المحلية لتتواءم مع القانون الدولي الإنساني.

وشددت على ضرورة إقرار مبدأ المحاسبة ومنع الإفلات من العقاب. وأشارت إلى إمكانية تقديم القضايا أمام المحكمة الإفريقية أو المحكمة الجنائية الدولية، بالنظر إلى أن الجرائم المرتكبة تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

تأثيرات نفسية على الضحايا

من جهتها، أشارت خبيرة علم النفس ابتسام محمود إلى الآثار النفسية العميقة التي خلفتها انتهاكات قوات الدعم السريع على الناجين في شرق الجزيرة. وأوضحت أن الحرب تمثل واحدة من أكبر الصدمات النفسية التي يمكن أن تواجه الإنسان، لا سيما عندما تفتقر إلى أي معايير أأخلاقة.

وأكدت أن الانتهاكات تضمنت الاعتداءات الجنسية، التعذيب، التهديدات العنيفة، والنهب، ما أدى إلى زعزعة الأمن النفسي والاجتماعي للضحايا، مع تداعيات طويلة الأمد على الأفراد والمجتمعات.

وشددت على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين في المخيمات، بدءًا من توفير بيئة آمنة، وتقييم المشكلات النفسية، وتدريب كوادر متخصصة. وأضافت أن عملية إعادة دمج الناجين في مجتمعاتهم ستتطلب جهودًا نفسية واقتصادية وروحية هائلة لتعافيهم من صدمات الحرب.

مؤسسة وايامو هي منظمة مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز سيادة القانون، وتعزيز العدالة في قضايا الجرائم الدولية، وتعزيز الشفافية من خلال بناء القدرات القضائية، والوساطة، والصحافة المستنيرة.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
© Wayamo Foundation. All rights reserved.