العدالة الانتقالية هي عملية حاسمة تهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان والسعي إلى المساءلة عن الفظائع الماضية في البلدان التي تنتقل من الصراع إلى الديمقراطية، يجب في فترات ما بعد الحرب انهاء النظام القضائي الفاشل، والفساد والتدخل السياسي، وانعدام استقلالية القضاء، ويجب أن تؤدي الجهود المبذولة لمحاسبة الجناة والإفلات من العقاب.
إن النزاع الحالي في السودان وانعدام الأمن على نطاق واسع يجعل من الصعب إجراء التحقيقات وجمع الأدلة وضمان سلامة الشهود، اضافة الى الافتقار الى سيادة القانون، وغياب اطار قانوني قوي، وكذلك القدرة المحدودة للمؤسسات القانونية علي إقامة العدل.
إن تاريخ السودان الماضي يشكل عائقاً أمام العدالة الانتقالية، تشكل النزاعات المسلحة المتعددة، والتوترات العرقية، والأنظمة القمعية، والعديد من الفظائع الماضية تحديًا لجهود العدالة الانتقالية.
وقد أدى عدم التدخل الناجح من المجتمع الدولي إلى إعاقة التقدم في نظام العدالة، مع غياب الخبرة الفنية، والموارد المالية، والضغوط السياسية.
إن انعدام المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان الماضية والصراع المستمر يعني أن تكرر دائرة العنف دون أي مساءلة على الإطلاق.
يعتقد السودانيين بمختلف مشاربهم أن تحقيق العدالة هو أساس استقرار السودان يعيش معظم سنواته في الحروب الاهلية والقتال القبلي المتكرر، وتعمل الاجهزة الرسمية وغير الرسمية جاهده علي تحقيق وتنفيذ العدالة الانتقالية حتي يفتح صفحة جديدة بعد ان تطوي صفحة الانتهاكات الانسانية الفظيعة التي ما تزال تتكرر في إقليم دارفور غربي السودان، علي أيدي قوات الدعم السريع والمليشيات العربية الموالية لها في دارفور التي تقتل وتبيد وتهجر انسانها علي الاساسي الاثني.
يرى الناشط الحقوقي عبدالله هارون اسماعيل ان الاوضاع في السودان لن تحقق أي عدالة في الوقت الحالي، بسبب تعقيد الأوضاع السياسية والاجتماعية، بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، كانت الآمال كبيرة أن يقدم مرتكبي جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية او تشكيل محاكمة هجين في الداخل بالمشاركة أو مساعدة الهيئات الدولية.
قال هارون، المؤسف أن المليشيا التي كانت جزء من الانتهاكات في دارفور وكردفان ولاحقا في العاصمة السودانية الخرطوم، جريمة فض الاعتصام ، يعني قوات الدعم السريع، أصبحت شريكا رئيسيا في الفترة الانتقالية التي قضي عليها فعليا بقرارات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، هل تتوقع ان مجموعة متورطة في الانتهاكات الجسيمة ان تكون لاعبا أساسيا في تقديم مرتكبي الجرائم إلى قاعة المحاكمات.
أكد هارون أن أطراف العملية السياسية بعد ذهاب نظام المؤتمر الوطني، لم يكن لديهم الرغبة الحقيقية في تحقيق أي نوع من العدالة، بقدر ما كانوا يبحثون عن مكاسب سياسية سريعة، لذا تجد في هناك تأخير متعمد في تشكيل المحكمة الدستورية، وغيرها من الأجسام التي يمكن تساهم في تحقيق العدالة، هي كانت من أبرز التحديات في فترة ما بعد سقوط حكومة عمر البشير.
توضح الصحفية رندا عبدالله ان العدالة الانتقالية بطبيعة الحال فى مفهومها العام إلى مجموعة التدابير القضائية، وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.
ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية، وطبقت العدالة الانتقالية فى عدد من الدول حول العالم من أبرزها تجربة وصفها المراقبون بالموافقة فى دولة جنوب أفريقيا.
يرى مراقبون يجب حث الدولة للاعتراف بـانتهاكات الماضي الجسيمة لحقوق الانسان عبر الحقب التاريخية والاعتذار الرسمي عنها لتأسيس ارادة سياسية للمصالحة الوطنية، حذروا من أي عفو يخالف مبادئ ومعايير القانوني الدولي، ويشمل ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، بما فيها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
اضافة الى الرفض القاطع لمنح عفو يمس حق الضحايا في التماس العدالة، او يمس حقهم في طلب جبر الضرر، وجاء في مبادئ ’’ مؤتمر العدالة الانتقالية ‘‘ في هذا العام، أوصى بالوقف الفوري لكافة أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السودانية من تعنيف وتعذيب واغتصاب واذلال وزواج قسري وتمييز بنيوي.
يؤكد المهتمون يستحيل تنفيذ عدالة في واقع تكون فيه الانقلابات، وقادة الانقلاب هم يعينون رئيس القضاء والنائب العام، ورفض أي شكل من أشكال التسوية والحوار معهم، وأن الثورة الحقيقية تعمل من أجل تحقيق مبادئ الحرية والسلام والعدالة.
قبل ثلاثة اعوام أعلن أريستيد نونسي، في نهاية ولايته كخبير الأمم المتّحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، حث الحكومة السودانية علي تقديم الدعم اللازم للجنة التحقيق الوطنية المستقلة حتى تتمكن من تحقيق العدالة، وتعويض الضحايا، ومحاسبة جميع المسؤولين بدون استثناء، ويكون ذلك وفقا لقواعد الإجراءات القانونية الواجبة ، بما يتماشى مع معايير القانون الدولي.
حينها أشار نونسي إلى تحديات التمييز، وعدم المساواة أنهما يؤثران سلبا علي التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية في السودان، باعتبارهما السبب الجذري للاضطرابات المدنية والصراعات في البلاد، قائلا ’’ في يونيو ٢٠٢٠، تم الإبلاغ عن العديد من حوادث العنف الطائفي في المناطق المتضررة من النزاعات‘‘.
أن النزاعات القبلية تسلط الضوء علي الهشاشة المتأصلة، والتحديات الفريدة التي تواجه أي مرحلة انتقالية في السودان، وطالب باتباع نهج شامل علي المستوى الوطني لمواجهة هذه التحديات، وشجع الجهات الحكومية المختصة علي تنفيذ استراتيجيتها الشاملة بسرعة، عبر اللجنة الوطنية لحماية المدنيين، بهدف تلبية الحاجة الملحة وحمايتهم في جميع أنحاء السودان.
في ذات السياق، لعبت تجربة جنوب أفريقيا في مواجهة إرث التمييز العنصري دورًا هامًّا في تطوير مجال العدالة الانتقالية، ولكن ثمّة قضايا كثيرة بحاجة للمحاسبة حتّى الآن، و يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا على دعم حقوق الضحايا والطعن إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
بعد عقود من التمييز العنصري ألقت بظلال كثيفة علي انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها مجازر، وتعذيب وأحكام سجن طويلة بحق الناشطين وتمييز عرقي، لقد اي اطلاق سراح نيلسون مانديلا في العام ١٩٩٠، بعد قضاء ٢٧ سنة في السجن، إلى مفاوضات بين حكومة جنوب أفريقيا العنصرية والمؤتمر الوطني الأفريقي إلى انتخابات في العام ١٩٩٤.
في عام ١٩٩٥ اعطي برلمان جنوب أفريقيا تخويلا بتأسيس لجنة الحقيقة والمصالحة التي صدرت في العام ١٩٩٨ تقريرا تضمن شهادات أكثر ٢٢٠٠٠ ضحية وشاهد، حيث جرى الإدلاء بالفي شهادة في جلسات استماع علنية.
أكد المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن معظم الجهود التي بذلت لتحقيق المحاسبة عن الجرائم المرتكبة خلال حكم التمييز العنصري باءت بالفشل، بعدما أجاز قانون لجنة الحقيقة والمصالحة عرضا مثيرا للجدل ’’ العفو من اجل الحقيقة ‘‘ لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الذين رغبوا بالاعتراف.
أشار المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن عمليات العفة الخاصة بالرئيس السابق ثابو مبيكي التي اعتبرت وسيلة ’’ العمل الناقص وغير المنجز للجنة الحقيقة والمصالحة ‘‘ تمت بموجب محاكمات سرية بغياب الضحايا ومن دون اي تمثيل لهم.
أوضح المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن تضمين سياسة الملاحقة القضائية الخاصة بسلطة المتابعة القضائية الوطنية تعديلات من أجل ’’ عفو عام غير نزيه‘‘ مكنت مرتكبي الجرائم في زمن التمييز العنصري، ممن لم يتقدموا بطلبات للحصول علي عفو لجنة الحقيقة والمصالحة، الإفلات من العقاب.
يرى اللاجئ احمد ادريس في تشاد أن العدالة في السودان تواجهها تحديات كثيرة جدا، أولها أن مرتكبي الجرائم في الغالب لهم السلطة السلطة العليا، تتمثل في امتلاك سلاح، وهذا النموذج في قوات الدعم السريع سيئة السمعة، قائلا ’’ لا أعتقد أن الدعم السريع سوف يوافق علي تسليم قادته الذين ارتكبوا الجرائم ضد الانسانية في ولاية غرب دارفور بالتحديد في الجنينة و اردمتا، هم معروفون للمجتمع الدولي والاقليمي، يجب علي العالم ان يحاسب كل المتورطين في قتل الالاف من الابرياء ‘‘.
ايضا يحث السلطات السودانية تخرج من حالة التحيز، والعمل علي الجاد علي تقديم كل من تورط في قتل واغتصب وتهجير الابرياء من ديارهم، طالب السلطات بعد ايقاف الحرب، أن يتم تشكيل لجان تحقيق بشأن الانتهاكات الانسانية الفظيعة التي ارتكبت منذ ١٥ ابريل المنصرم، ولا ينسى الجرائم التي ارتكبت في السابق ايضا، ويجب ان تكون الحكومة والمنظمات الحقوقية جادين في تشكيل المحاكم الخاصة والتعاون مع الجهات الدولية والاقليمية لمحاكمة المتورطين في هذا الشأن، رغم وجود التحديات إلا أن تحقيق العدالة يجب أن يكون شعار ما بعد انتهاء الحرب.
تم إنتاج هذا التقرير، الذي نُشر في الأصل في صحيفة سودان بوست، من خلال تعاون وايامو المستمر مع شبكة من الصحفيين السودانيين كجزء من مشروعها المستمر “بناء قدرات المجتمع المدني وقطاع العدالة في السودان” الذي تم إطلاقه في مارس ٢٠٢٢. ويهدف المشروع إلى تعزيز قدرة المجتمع المدني والجهات الفاعلة القانونية في السودان أثناء مشاركتهم في عملية العدالة الانتقالية. ويتم تدريب الأفراد على القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، ويتم تزويدهم بالمعرفة اللازمة للتعامل مع قضايا الجرائم الخطيرة التي تعرض على المحاكم، بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية.