يعاني مواطنو ولاية الخرطوم من تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية، بجانب انتشار الأمراض من حمّى الضنك، وسوء التغذية، التي تسببت في فقدان عشرات الضحايا، نتيجة لعدم توفر الرعاية الصحية، بالإضافة إلى توقف عشرات المطابخ، التي كانت تساهم في توفير الغذاء للمواطنين في تلك المناطق، وكل هذه المشاكل والتحديات التي تواجه المواطنين، هي نتيجة لاستمرار القتال بولاية الخرطوم.
اشتكت فاطمة علي (اسم مستعار) التي تقطن منطقة الحاج يوسف شرق النيل من انعدام الخدمات الصحية والإنسانية في المنطقة بسبب استمرار القتال. وقالت “إن المطابخ في المنطقة ساهمت بشكل كبير في توفير الغذاء لسكان حي الحاج يوسف خلال ١٥ شهرا منذ اندلاع الحرب، لكن بسبب عدم وجود الأموال الكافية توقفت عشرات المطابخ، مما فاقم من سوء الوضع الصحي والإنساني في المنطقة” وأكدت فاطمة بإصابة ثلاثة من أطفالها بسوء التغذية من أكثر من شهرين إلى جانب قله دخل زوجها لتوفير الطعام المناسب لهؤلاء الأطفال، وطالبت طرفي الحرب بضرورة الوصول إلى اتفاق من أجل إنقاذ أطفال السودان من الموت.
وكانت الأمم المتحدة قالت في تقرير نحو ٧٥٥ ألف شخص يواجهون المجاعة في ١٠ ولايات بالسودان، بما في ذلك ولايات دارفور الخمس الكبرى، وكذلك جنوب وشمال كردفان، والنيل الأزرق، والجزيرة، وولاية الخرطوم. فيما يواجه ٨،٥ مليون شخص حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي). واندلعت الحرب في السودان منذ منتصف أبريل من العام الماضي، الأمر الذي أضر بشكل كبير بالموسم الزراعي بعد اتساع رقعة الحرب في البلاد.
من جانبها كشفت عضو غرفة طوارئ بالخرطوم بحري عن ظهور أكثر من ١٥ حالة إصابة بحمى الضنك، وتحدثت عن انهيار الوضع الصحي بسبب انعدام الأدوية في المنطقة. وكانت غرفة طوارئ الخرطوم بحري، ثالث مدن ولاية الخرطوم، أعلنت في أبريل الماضي عن رصد ٣٨٤ حالة اشتباه بحمى الضنك. وقال عضو بغرفة طوارئ الحلفايا إن الغرفة سجلت أكثر من ١٥ إصابة بحمى الضنك منذ أسبوع وسط المواطنين، بالإضافة إلى ظهور حالات وسط أفراد الدعم السريع المنتشرين بالمنطقة. وأكد انتشار الوباء بصورة واسعة خلال اليومين الماضيين، وتخوف من تفاقم الوضع الصحي في ظل انعدام الأدوية. وأشار إلى وجود مشكلة حقيقية تواجه الغرفة تتمثل في توقف المركز الصحي وانعدام المحاليل والمسكنات والأدوية، وعدم وجود صيدلية بالمنطقة منذ اندلاع الحرب، بجانب منع الدعم السريع دخول سيارة الإسعاف لنقل المصابين لإجراء الفحوصات في بحري.
وأفاد أن أقرب مستشفى لإنقاذ المرضى هو مستشفى الدولي في منطقة المؤسسة، والتي يصعب الوصول إليها خاصة أن الدعم السريع يسيطر على المنطقة، لافتا إلى زيادة وتيرة العنف الذي تمارسه الدعم السريع ضد المدنيين في الآونة الأخيرة. ويواجه الوضع الصحي أوضاعًا بالغة التعقيد بسبب إغلاق العديد من المستشفيات العاملة في مناطق النزاع بنسبة تصل إلى ٨٠٪ مما حد من قدرة النظام الصحي على الاستجابة لتفشي الأوبئة والأمراض.
في ذات الصعيد، أعلنت عضوة في غرفة طوارئ الجريف شرق زيادة معدلات سوء التغذية نتيجة نقص وشح في المواد الغذائية في المنطقة. واكدت عضوة غرفة الطوارئ مفضله عدم ذكر هويتها لدواعي أمنية عدد بأن حالات لسوء التغذية بلغت ٧٤ حالة منها ٤١ طفل و٣٣ طفلة، بينما عدد الأطفال الذين يعانون من الأنيمياء ٣٥، وعدد الأطفال الذين يعانون من عمي ليلي ٤ بشكل كلي أو جزئي، و٥ أطفال يعانون من هشاشة العظام. وأقرت بوجود تحديات تواجههم مثل نقص المعامل وعدم توفر بعض الأدوية.
كشف عضو في غرفة طوارئ محلية شرق النيل بولاية الخرطوم عن توقف عدد كبير من المطابخ في المنطقة منذ أبريل الماضي حتى يونيو الحالي، بسبب قلة الدعم لتمويل تلك المطابخ. وفي ٢٣ أبريل المنصرم، أعلن متطوعون عن وفاة ثلاث أطفال جوعا في محلية أم بدة بأم درمان – ثالث مدن العاصمة الخرطوم- والتي يعتمد العالقون فيها على مطابخ تكافلية ترعاها غرف الطوارئ، وهي كيانات يديرها متطوعون. وأكد عضو في غرفة طوارئ شرق النيل توقف 85مطبخا من جملة 175 لعدة أسباب، تشمل شح التمويل وارتفاع الأسعار، وخطورة الوضع الأمني، وانقطاع المياه، فضلا عن عدم وجود التمويل الكافي الذي لا يسمح بتوفير طعام إلا لمدة أربعة أيام فقط. واضاف أن ٨٠٪ من المطابخ تعتمد على دعم غرف الطوارئ، وهي قليلة مع صعوبة الحصول على الأموال نقدا، إلى جانب الخصومات التي تتم من تلك الأموال مقابل صرفها من التطبيقات البنكية نقدا.
ونبه إلى تدهور الأوضاع المعيشية في شرق النيل، خاصة بعد توقف العدد الكبير من المطابخ التي يعتمد عليها المواطنين في حياتهم اليومية. واكد زيادة أعداد الأسر في منطقة شرق النيل خلال الفترة الأخيرة علاوة على ظهور حالات كثيرة لسوء التغذية في مشافي “ام ضوابان” وألبان جديد. واشتكى عضو في غرفة طوارئ شرق النيل من انقطاع التيار الكهربائي بصورة دائمة في بعض أحياء المنطقة، بينما تنقطع لفترات طويلة خلال اليوم في مناطق أخرى. وظلت وكالات الأمم المتحدة تحذر من تنامي أزمة الجوع في السودان، جراء تعطّل سبل العيش وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين المتضررين من قبل أطراف النزاع.
في سياق متصل، قالت غرفة طوارئ جنوب الحزام، الخميس الماضي، إن المطبخ الجماعي بمنطقة الأزهري غرب بمربع ٢٤، قدم وجبته الأخيرة، وأعلنت أنها تعتزم التوقف التام بعد نفاد مخزون المواد التموينية وانقطاع الدعم للمطبخ الخيري. وأفادت الغرفة في بيان لها، أن المطبخ ظل يقدم الوجبات منذ أغسطس الماضي، بمعدلات تراوحت بين ١٠٠٠ إلى ٢٥٠ وجبة بشكل يومي، وقال مشرف مطبخ الأزهري غرب “أن الوجبات لم تكن تكفي من الأساس، وأن العديد من الأسر كانت تعود بمواعين فارغة”. أشار البيان إلى أن المطبخ كان شمعة وسط ظلام الجوع في المنطقة، وأفاد المشرف أن المطبخ واجه الكثير من الصعوبات، وتوقف أحيانًا واستأنف العمل، ونأمل أن يعود قريباً.
وبحسب البيان الصادر عن الغرفة، فإن حال مطبخ الأزهري كغيره من مطابخ منطقة جنوب الحزام بالعاصمة الخرطوم، بما فيها مطبخ الكبابيش المهدد كذلك بالتوقف عن مواصلة تقديم الوجبات للجوعانين، مشيرة إلى أن الأخير عمل لمدة خمسة أشهر في تقديم الوجبات بمعدل ١٢٠ وجبة في اليوم. وقالت الغرفة إن مطبخ الكبابيش في طريقه لإنزال “الحِلل” من على المواقد جراء نقص الدعم المادي والمواد التموينية، بجانب العديد من المطابخ في المنطقة التي أغلقت أبوابها بالفعل في الفترة الأخيرة. وناشدت غرفة طوارئ جنوب الحزام المنظمات الإنسانية والإغاثية العالمية والمبادرات المحلية، بالتضامن وتقديم الدعم لملايين الجوعى بولاية الخرطوم، وعشرات الآلاف بمنطقة جنوب الحزام الواقعة جنوبي العاصمة الخرطوم.
بينما توقعت نائب مدير ادارة تعزيز الصحة السودانية د. هبة المكي تدهور الوضع الصحي والانساني في ولاية الخرطوم، بسبب توقف الخدمات الصحية نتيجة لاستمرار القتال بين الجيش والدعم السريع منذ ١٥ شهرا، أكدت عدم تقديم أي خدمات صحية بالخرطوم، لكن تقدم خدمات علاجية في بعض المستشفيات تشمل النو،امبدة والذي خرج الآن عن الخدمة. وأضافت أن توقف الخدمات الصحية ممثلة في نقل النفايات، ومراقبة المياه والغذاء. وأفادت توقف الخدمات الأساسية وهي المياه والكهرباء في بعض المناطق التي تؤثر على الوضح الصحي بشكل مباشر وغير مباشر، مؤكدة تأثير الوضع الغذائي للمواطنين في الخرطوم نتيجة لتوقف عدد كبير من المطابخ. وأقرت بوجود اشكاليات في مناطق النزاع بسبب عدم إيصال المساعدات الإنسانية وتوقف الأسواق التي تسبب في صعوبة الحصول على الغذاء والدواء بالتالي تؤثر على صحة المواطنين.
وأشارت إلى عدم اقتصار دور المنظمات الدولية والاقليمية على بيانات الادانة فقط، مشيرة إلى ضرورة إجراءات لمساعدة المدنيين حسب الاتفاقيات الدولية، التي تقول إن المدنيين ليس لديهم علاقة بالنزاعات المسلحة، ويجب حمايتهم، وتوفير كل احتياجاتهم، متابعة بأنهم لا يستطيعون تقديم اي مساعدات للمدنيين في الوقت الحالي، نتيجة لانعدام المسارات والممرات الآمنة وعدم تأمين الطرق لمقدمي الخدمات خاصة تعرض الناشطين الذين يقدمون خدمات في بعض المناطق للخطر.
اتفاقية تنص حماية المدنيين
بينما قال القانوني السوداني عثمان البصري معاناة المدنيين في النزاعات المسلحة رغم حمايتهم في اتفاقية جنيف الاربعة خاصة المادة 32تنص لعدم تعريضهم لأي معاناة كانت معيشية او صحية. وأضاف عثمان البصري ان الذي حدث في الحرب تم استهداف الكوادر الطبية والعاملين في مجال العمل الإنساني خير دليل على ذلك حادثة الصليب الأحمر، وقصف واحتلال مستشفيات من قبل الدعم السريع، بجانب عمليات نهب وسلب المتاجر والمرافق المدنية وتابع كل هذه الانتهاكات مجرم وفقا لاتفاقية جنيف.
وأشار إلى تجريم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في المادة ٧ التي تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية وواحدة منها في الفقرة (د) عدم تعريض المدنيين للمعاناة والمشاكل الصحية باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وهو الأمر الذي يدور في مدن ولاية الخرطوم مما يجعلها واحدة من اشتراطات جرائم ضد الإنسانية بشكل ممنهج واسع النطاق. وأردف أن ما يحدث لمعاناة المدنيين بسبب طرفي الحرب، هو انتهاك القانون الدولي بموجب المعاهدة جنيف الاربعة ونظام روما الأساسي.
يقول الناشط السياسي، عروة الصادق، ” إن هيئات ومكاتب منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، لديها أدوار متعددة تلعبها في السودان تتسع وتضيق من منطقة لأخرى، بما في ذلك رصد ومناقشة وتوضيح الوضع الإنساني، واستنكار الانتهاكات لحقوق الإنسان وإدانتها، وهذا الأمر يتأثر بوجود عناصر وموظفي تلك الوكالات والهيئات على الأرض. واضاف عادة ما تستجيب هذه المنظمات بالرصد والتحرك عندما تحدث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو وقوع أزمات إنسانية كبيرة، خاصة في المدن الكبرى، وغالبا ما تكون المنظمات المعنية حذرة ومتعددة الأوجه في تقديم التدخلات والبيانات لضمان المساواة والعدالة في التعامل مع كافة القضايا الإنسانية المختلفة، لذلك تجد التأثر دوما ما يكون بالخرطوم وأماكن تواجد البعثات.
وذكر بأنه يقل الاهتمام لدرجة الإهمال للمناطق الأخرى، حتى داخل العاصمة هناك مناطق مظلمة منذ بداية الحرب لا يوجد بها اتصال أو أدنى مقومات الحياة، لذا من المهم معالجة كافة الأوضاع والمشاكل التي تواجه السودان بشكل شامل دون انتقائية واستثناء. واشار عروة إلى الدور الدولي والإقليمي المطلوب زيادة الوعي بالقضايا المهمة في كافة تلك المناطق، والعمل على إيجاد حلول دولية وإقليمية لتلك الأزمات، وإشراك المجتمع المحلي في الحلول، واختيار متطوعين للعمل ضمن مكاتب هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها التي عجز موظفوها الأمميين عن العمل في المناطق الملتهبة. ودعا عروة الأمم المتحدة الإيفاء بالتزاماتها المالية واللوجستية، وتشجيع التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لتحسين الأوضاع وتحقيق الاستقرار في المناطق المتأثرة وليس احتكار وحصر الحلول والدعم للخرطوم وحدها. وأكد عروة الصادق بأن جميع الأطراف تتحمل وزر التدهور الذي يجري في الخرطوم صحيا وأمنيا وبيئيا، فالدعم السريع اجتاح المدن الثلاثة وعين إدارة مدنية عجزت عن توفير الغذاء والدواء للسكان، فضلا عن غياب الأمن وانتشار حالات الجريمة المنظمة المحمية بالسلاح.
أما مناطق سيطرة الجيش رغم أنها تمثل ثقل الحكومة إلا أن الجهود المبذولة في توفير المياه النظيفة أقل بكثير من احتياج السكان، فضلا عن عدم توفير المستلزمات الصحية والأدوية المنقذة للحياة وتكلفة الجرعات العلاجية أثمانا باهظة، وانتشار الأوبئة وعجز تام في حملات التنظيف وحماية البيئة، خاصة مع دخول الخريف وانتشار الناموس والذباب، كما إن الدعم الدولي لا يصل بصورته المطلوبة، لأن هناك تحكم تام فيه وسيطرة من قبل الجهات الرسمية.