أصبح خطاب الكراهية واحدًا من أخطر العوامل التي تؤدي إلى الصراعات في العالم الحديث، وخاصة في المناطق التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والتوترات العرقية أو الدينية العميقة. السودان، الذي تأثر لسنوات بالحروب الأهلية والاضطرابات، يقدم دراسة حالة قاتمة عن كيفية إشعال خطاب الكراهية للصراع وإدامته.
وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن لأي شخص نشر محتوى تحريضي يصل إلى آلاف أو حتى ملايين المستخدمين بسرعة، مما يجعل من الصعب التحكم في انتشاره في البيئات التي تعاني من ضعف التشريعات أو الرقابة.
في الواقع، لعب خطاب الكراهية دورًا كبيرًا في تفاقم الصراعات القائمة وإطالة أمد العنف في العديد من الدول، بما في ذلك السودان. فالتأثيرات السلبية لخطاب الكراهية عبر الإنترنت تتجاوز مجرد الكلمات أو المنشورات؛ فهي تؤدي إلى أعمال عنف وتحرض على الكراهية في الواقع. كما أن المجتمعات التي تتعرض لهذه الخطابات تصبح أكثر عرضة للصراعات الداخلية، حيث يتم تضخيم التوترات العرقية أو الطائفية.
والصراع الحالي في السودان ليس مجرد معركة على السلطة أو الموارد، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسرديات التي تعزز الإقصاء والخطاب التحريضي. وسواء كان ذلك في الإعلام التقليدي أو على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح خطاب الكراهية سلاحًا قويًا يضرم نيران الانقسام بين الفصائل المختلفة. فمن البث الإعلامي التحريضي إلى المنشورات الملتهبة على الإنترنت، يلعب الخطاب الذي يشيطن الخصوم ويثير الضغائن العرقية دورًا محوريًا في تحويل التوترات إلى أعمال عنف واسعة النطاق.
في السودان، استغل القادة السياسيون والعسكريون الهوية العرقية والإقليمية لحشد الدعم وتشويه صورة المنافسين. وهذه الاستراتيجية، على الرغم من فعاليتها في حشد القاعدة الشعبية، تخلق بيئة سامة حيث يبدو الانتقام العنيف ليس فقط مبررًا بل ضروريًا.
لقد ضاعف الإعلام الاجتماعي من تأثير هذه الرسائل الخطيرة، حيث تنتشر بسرعة دون رقابة. ويزداد انتشار خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي، في زمنٍ يمكن أن تشعل فيه المعلومات المضللة الغضب في لحظات، مما يؤثر على الفئات الأقل وعياً ويدفعها إلى العنف. ومع وجود رقابة محدودة في المشهد الإعلامي السوداني، يعمق هذا الخطاب الانقسامات المجتمعية، مما يجعل تحقيق السلام أكثر صعوبة.
خطاب الكراهية لا يشعل العنف فحسب، بل يعزز أيضًا التحيزات، مما يجعل المصالحة شبه مستحيلة. المجتمعات بأكملها تُدمر، وتُفقد الثقة، ويصبح الحوار حلاً بعيد المنال.
وفي ظل الصراع السوداني، أسهم خطاب الكراهية عبر الإنترنت في تأجيج العداوات بين الجماعات المختلفة. وقد أسفر ذلك عن حوادث عنف ملموسة، من أبرزها اغتيال والي غرب دارفور ورئيس التحالف السوداني، خميس عبدالله أبكر، في يونيو 2023، نتيجة مباشرة للتحريض عبر الإنترنت، خاصة من خلال المحتوى الذي نشره الناشط الربيع عبد المنعم، وفقًا للمتابعين.
في ورقة علمية بعنوان “خطاب الكراهية في ظل التكنولوجيا الرقمية”، يعرّف البروفيسور حسين الزيادي خطاب الكراهية على الإنترنت بأنه “أي قول أو فعل يُبث عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إثارة الفتنة أو التحريض على التمييز الديني، الطائفي، العرقي أو الإقليمي، أو الدعوة للعنف أو التحريض عليه”.
النص صحيح بشكل عام، لكن يمكن تحسينه قليلاً ليكون أكثر سلاسة:
تحظر الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1965، نشر الدعاية والأفكار العنصرية، بما في ذلك من قبل السلطات العامة أو المؤسسات (المادة 4). ومن الجدير بالذكر أن مكافحة خطاب الكراهية لا تعني تقييد حرية التعبير، بل تهدف إلى منع تحوله إلى ما هو أخطر، مثل التحريض على التمييز أو العنف، وهو ما تحظره القوانين الدولية.
يوضح عبدالباسط الحاج، المحامي والباحث القانوني في مؤسسة وايامو، أن خطاب الكراهية منتشر في المجتمع السوداني، سواء على المستوى الثقافي أو السياسي، مؤكدًا على غياب الدور المؤسسي للدولة في التصدي لهذا الخطاب عبر الإعلام أو الثقافة العامة، مما يفاقم المشكلة.
كما يشير عبدالباسط إلى أن انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو نتيجة لوجود بيئة خصبة للصراع، تتأثر بالعوامل الاجتماعية، الثقافية، والتاريخية، موضحا أن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات والحروب، مما يهدد التماسك الاجتماعي ويعمّق الانقسامات العرقية، وقد يسفر في النهاية عن تفكك دائم للوحدة الوطنية.
يرى المراقبون أن وسائل التواصل الاجتماعي في السودان أسهمت بشكل كبير في تفاقم خطاب الكراهية بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023. وخلال هذه الفترة، برزت مصطلحات عنصرية وإقليمية مثل “العبيد” و”الزنوج” و”الفلاقنة” لوصف الأفراد والمجموعات من القبائل السودانية غير العربية. كما انتشر أيضًا مصطلح “عرب الشتات“، الذي يُستخدم، في هذا السياق، ضد قوات الدعم السريع وقاعدتها الاجتماعية في غرب السودان. وفي الجهة الأخرى، استُخدم مصطلح “دولة 56” في وصف النخبة التي حكمت البلاد منذ استقلال السودان عام 1956، والتي تُتهم من قِبل قوى الهامش بأنها تمثل الجماعات العربية في شمال ووسط البلاد وتحتكر السلطة والثروة.
أوضح إبراهيم هارون يعقوب، الناشط في منظمات المجتمع المدني، أن خطاب الكراهية عبر الإنترنت كان له أثر مدمر على التعايش السلمي في دارفور، حيث ساهم في تأجيج العنف بين الجماعات المختلفة، وكان وراء المجازر التي شهدتها الجنينة ضد قبيلة المساليت، بمشاركة المجموعات العربية المتحالفة مع قوات الدعم السريع. وأضاف إبراهيم أن هذا الخطاب التحريضي كان جزءًا من مخطط يهدف إلى استئصال المساليت من أراضيهم واستبدالهم بجماعات أخرى، مما أدى إلى نزوح سكان الولاية إلى معسكرات اللجوء في تشاد.
تنص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على حق الأفراد في حرية التعبير، بما في ذلك التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها دون قيود. وبينما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذا الحق، فإن هناك مخاوف من أن المكافحة ضد خطاب الكراهية قد يؤدي إلى تقييد حرية الرأي والمعارضة. وفي الجانب الأخر، وعلى الرغم من أهمية حرية التعبير كركيزة أساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنها تُستخدم أحيانًا كذريعة لمعارضة تنظيم خطاب الكراهية.
ولذلك، شددت الأمم المتحدة على ضرورة التمييز بين حرية التعبير والتحريض على العنف أو التمييز، مؤكدة أن أي قيود على حرية التعبير يجب أن تكون استثناءات تهدف إلى منع الضرر وضمان المساواة. وتوصي بالاعتماد على وسائل التثقيف والترويج للرسائل المضادة كأدوات فعالة لمواجهة خطاب الكراهية، مع الحفاظ على حرية الرأي دون مساس.
يجب على الناشطين السودانيين في منظمات المجتمع المدني أن يعملوا بالتنسيق مع جميع القطاعات وأصحاب المصلحة لضمان استقرار البلاد، والمساهمة في مكافحة كافة أشكال خطاب الكراهية، بما في ذلك المنتشر عبر الإنترنت. ويعد التعاون مع الجهات الرسمية أساسيًا، حيث إن توحيد الجهود يمكن أن يسهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا.
ووفقًا لبعض النشطاء، يسهم غياب الضوابط القانونية والأخلاقية في الفضاء الإلكتروني بشكل كبير في انتشار خطاب الكراهية، حيث تساهم البيئة المفتوحة وغير المنظمة في تعزيز مشاعر الكراهية والتحريض. وعليه، يدعون إلى ضرورة وضع ميثاق شرف وتشريعات تنظيمية لمكافحة خطاب الكراهية، مع التأكيد على حماية حرية التعبير.