تعمل أصوات سودانية عديدة في الفترة الأخيرة على إلقاء الضوء على خطر جديد في تاريخ السودان الحديث، متمثلا في انتشار خطاب الكراهية في المشهد السوداني، لذا، قررت جهات عديدة إنشاء إطار قانوني قوي لمكافحة هذه الظاهرة، إما عن طريق الدعوة إلى تنفيذ القوانين الحالية، أو العمل على إنشاء قوانين جديدة تحارب هذا المد العنيف المدمر للشعب السوداني.
وفي هذا الإطار أقامت حملة “نحن واحد” لمناهضة خطاب الكراهية ندوة في العاصمة الأوغندية “كمبالا” في أواخر شهر أبريل المنصرم، في مقر المنظمة الأفريقية للحقوق والتنمية، تحدث فيها عدد من القانونيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، وأشار المتحدثون إلى أنه يجب على الأطراف المدنية أن تلعب دورا هاما وحاسما في التقليل من منتوج هذا الخطاب السلبي في الدولة السودانية. وفي أحدث تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش””، اتهمت فيه قوات الدعم السريع باقتراف تطهير عرقي في دارفور، شهر مايو المنصرم، حيث وثّقت المنظمة في تقريرها بما قامت به قوات الدعم السريع ومليشيات عربية في أحياء مدينة الجنينة التي تقطنها أغلبية قبيلة “المساليت” الافريقية، مؤكدا أن سكان المدينة تعرضوا لموجات متواصلة من الهجمات بين أبريل ويونيو ٢٠٢٣.
يرى الاستاذ محجوب عبدالله، أن السودان مرّ بتجارب عصيبة جدا، مع استمرار دوامة الحرب منذ ١٩٥٦، حتي هذه اللحظة، لذا قرر مجموعة من الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، للمساهمة في خفض خطاب الكراهية بعد أن أصبح رافدا من روافد تأجيج الصراعات في السودان، مع قيام عدد من الجهات الاستغلال عنه، ويكشف محجوب من خلال رصد خطاب الكراهية، عن أن هذا الخطاب مستشري على المستويين الرسمي والشعبي، كما أن أطراف النزاع تستغل الخطاب للتجييش وكسب المؤيدين، وربما تمارس هذه المسألة من غير وعي أو بوعي منها، فيما فشل الطرفان في إدانة والحد منه، ويري محجوب أيضا، بأن هذا الخطاب سيكون له آثاره السلبية علي المجتمع السوداني حتى توقفت الحرب. وبحسب محجوب، فإن أثار الحرب امتدت وطالت المدنيين الأبرياء، بينما طرفي الحرب يصران على استمرارها، كما بدأت عمليات التجييش على الأساس الإثني والقبلي والجهوي، ما يفسر بأن مثل هذه الخطوات تشكل تهديدا مباشرا للمجتمع السوداني، وأن منظمات المجتمع المدني يجب عليها أن تساهم في الحد من هذا الخطاب. ويوضح محجوب، إن مناهضة خطاب الكراهية هو واجب كل سوداني، والمستنيرين والخائفين على تفكك السودان، وأن الباب مفتوح للجميع بالانضمام والمساهمة في الحد منه.
بينما يقول المحامي والقانوني، عثمان صالح، إن حملة “نحن واحد” لمناهضة خطاب الكراهية، تهدف إلى المساهمة والتصدي لهذا الخطاب المستشري في البلاد هذه الأيام ، تم اختيار “نحن واحد” يمكن أن يكون الاسم نفسه جدلي، والاختيار نفسه يرمز إلى مسألة التعدد والتنوع والاختلاف الذي يمتاز به السودان، مؤكدا أن الشعوب السودانية مختلفة دينيا وثقافيا، وبالتالي يجب أن يكون التنوع والتعدد مناعة وقوة لوحدة للسودان، وليس مصدرا للشتات، وأضاف أن المسائل المتعددة لمخاطبة الحملة عبر الندوات المباشرة يجب أن تكون المواضيع مفتاحية، ويتم فتح الحوار مع الحضور للحديث عن خطاب الكراهية وآثاره السلبية، والمؤثرات على الخطاب، والعمل على تقليلها، والعمل على مواجهته. وأضاف عثمان، بأنه يجب تسليط الضوء على الدور الكبير الذي تقوم به الإذاعات في نشر الخطاب الكراهية، وتوجيه الرأي العام لتوسيع الفجوة بين المجتمع في ذات الوقت، إلى جانب الدور البارز لمواقع التواصل الاجتماعي في انتشار هذا الخطاب، فيما تمارسه أطراف عديدة بطريقة غير مقبولة، ما يقود البلاد إلى ارتفاع العنف والكراهية. وأشار عثمان إلى أهمية مسألة الفنون ومجالات الإبداع الأخرى، من شعراء وفنانين في توجيه الرأي العام للتلاحم وخفض خطاب الكراهية، وأهمية تسجيل الفيديوهات والمقاطع الصوتية للمؤثرين في المجتمع من قيادات قبلية ودينية، باعتبار أن لهم آراء تناهض خطاب الكراهية، كما أن هناك شباب وناشطون بإمكانهم مواجهة الخط الإعلامي الذي يتبني هذا الخطاب.
إن الفترة الزمنية المحددة لمناهضة خطاب الكراهية، تبدأ من شهر مايو حتى نهاية شهر يونيو من ٢٠٢٤، وأن الغرض من هذه الفترة هو اتاحة الفرصة، لأكبر عدد من جماهير الشعب السوداني للمشاركة في الحملة لمحاصرة خطاب الكراهية قدر الامكان، ومعت ذلك فإن هذا ليست كافية، بل هي فقط مجرد ضربة البداية على حد قول المحامي عثمان، مؤكدا بأنه يجب العمل الحثيث على استمرار محاربة خطاب الكراهية من كافة الأطراف المؤثرة في السودان، ورفض الانجرار وراء اندلاع الحرب الاهلية الشاملة.
يطالب الباحث الاجتماعي، عبد الله منصور آدم من إحدى معسكرات اللجوء بدولة تشاد، إيجاد سبل وطرق قانونية لرصد وتوثيق خطاب الكراهية لتحديد مرتكبيه، خاصة الأطراف والجماعات المتنافسة في الحرب، ويقول منصور لـــ”سودان بوست”، ان التوثيق يهدف إلى تقديم كل من تورط فيها إلى المحاكمة في المستقبل، وهذه الخطوة يجب أن يقوم بها كل المهتمين في الشأن الحقوقي والإنساني، وكتابة تقارير دورية عن استخدام خطاب الكراهية والجهات المسؤولة عنه، وإمكانية إنشاء مظلة وطنية لخلق الوعي، وشبكات محلية ودولية لحشد دعم واسع النطاق لأنشطة مكافحة خطاب الكراهية.
يوضح المحامي والمدافع عن حقوق الانسان، محمد صالح، أن القانون الجنائي السوداني ١٩٩٠م، والتعديلات التي تلت ليس فيها مادة تتحدث صراحة عن خطاب الكراهية سوى الأذى الجسيم والاستفزاز، أما الأذى المعنوي فغير مضمن في الأحكام التمهيدية، مشيرا إلى أن الفصلين الخامس والسادس من القانون الجنائي السوداني ١٩٩٠م، كلها تتحدث عن الوضع السياسي، بينما القصل السابع يتحدث عن الفتنة التي تعرف بإثارة الكراهية بين الطوائف الدينية، ولكن لا يوجد تعريف فعلي لجريمة خطاب الكراهية أو الجرائم المتعلقة بها. يوضح القانوني، إن الجرائم ضد الإنسانية من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، كما حدث في محاكمة المتهمين في جرائم يوغسلافيا، ورواندا، مثل إثارة الكراهية في جرائم تمت بالتحريض، منذ ٢٠٠٣، في دارفور التي أُحيلت إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن الإشكالية لا يوجد شخص حُوكم بهذه لجرائم حتى الآن.
في ذات السياق يقول الناشط الحقوقي إدريس يعقوب لـ”سودان بوست” إن السودان في الوقت الراهن يحتاج إلى عقلاء يحدون من تمدد خطاب الكراهية، ومحاصرته بكل الوسائل القانونية والسياسية، ويجب حث الإدارات الأهلية والفاعلين الاجتماعيين، يعليهم القيام بدور إيجابي في مراحل الحرب الدائرة، وما بعد الحرب، مع وضع سياسات تسهم في الحد منه. وأضاف إدريس، بأن سلبيات خطاب الكراهية يمكن أن تمتدّ لعقود في حال فشل العقلاء في التصدي لهذه الموجات المتطرفة من أشخاص مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وينصح إدريس السلطات أن تضع في الاعتبار في المستقبل القريب قوانين واضحة تجرم هذا الخطاب الذي يشكل خطرا على حاضر ومستقبل الدولة السودانية في ظل وجود فاعلين مؤثرين ينشرون خطاب الكراهية، ولهم جمهور واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.