في ندوة العدالة الدولية التي أقامتها منظمة وايامو مع المجموعة الافريقية للعدالة والمساءلة في جامعة آغا خان في التاسع عشر من مايو الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، واشارت الندوة الي مفهوم التعويضات، ذات الصلة بالافراد والجماعات الذين تعرضوا تاريخيا للحرمان او الاضطهاد او الاذي نتيجة للظلم المنهجي من قبل مؤسسة الدولة في السودان.
اضافة الي ذلك، ان التعويض شكل من اشكال الانصاف يهدف الي معالجة اخطاء الماضي وتصحيح الاثار المستمرة للتمييز، ويمكن ان يتخذ اشكالا مختلفة، بما في ذلك التعويضات، واستعادة الاراضي، الفرص التعليمية، واحكام الرعاية الصحية، وغيرها من التدابير المستهدفة للنهوض بالمجتمعات المتضررة، ويمكن ان تختلف التفاصيل المحددة، ونطاق التعويضات اعتمادا علي سياق وطبيعة الظلم الذي تتم معالجته.
يري المتهمون ان المفهوم غالبا ما ينشأ في المناقشات حول المظالم التاريخية مثل العبودية والاستعمار، واشكال اخري من التمييز والاضطهاد الذي ترعاه الدولة، ويجادل المؤيدون ان التعويضات ضرورية للاقرار بالاثر الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، واصلاحه لمظالم الماضي علي الافراد، والاسر والمجتمعات، ويرون انها وسيلة لتعزيز العدالة والمساواة والمصالحة.
يشير ميكيل ديلاغرانج، خبير العدالة الجنائية الدولية والضحايا من مؤسسة وايامو الي مفهوم التعويضات باعتباره مهم للغاية حسب مفهوم العدالة، وايضا يشير الي مفهوم الاصلاح، هناك انواع مختلفة من جبر الضرر او التعويضات تشمل التعويضات الفردية والجماعية، اضافة الي فكرة تأهيل الافراد نفسيا وجسديا، وجبر الضرر يمكن ان يكون اعتذارا عاما، وانه يعمل من اجل تعويض الضحايا الذين وقعوا في الحروب.
قال ميكيل ’’ نحن بحاجة الي منظور مفهوم للعدالة في المجتمع الدولي‘‘، مؤكدا، لا عدالة بدون تعويض، في سياق السودان، انهم قضوا وقتا طويلا مع المجتمعات المتضررة في دارفور غربي السودان، لمدة ٢٠ عاما، هم يتمسكون بمفهوم العدالة‘‘، هناك مطالب للضحايا تتمثل في في محاسبة مرتبكي الجرائم الجنائية، العودة الديار، وهل العودة الي الديار امنة، اضافة الي الدعم بعد العودة، يجب توفير البنية التحتية، والمدارس، والمستشفيات.
ويطالب ميكيل بالبحث عن وسائل اخري لدعم العائدين، علي المستوي الدولي يجب النظر الي مصلحة الضحايا في مفهوم الجرائم الدولية، ثم الجرائم التي طالت البشرية جمعاء، وهناك هدف لملاحقتها، يجب التعويض، ثم تنفيذ المساءلة المحلية التي قد تلعب دورا في غاية الاهمية من اجل تحقيق مطالب اللاجئين والنازحين، اذا استعارت جزء من القانون الدولي وطبقته محليا، ولا عدالة بدون جبر التضرر اوالتعويضات.
الباحث والكاتب محمد تورشين يقول ان مفهوم جبر الضرر هي من المفاهيم والخطط التي يتم اتباعها في الكثير من البلدان المتضررة والمتأثرة من الحروب، وكانت هناك محاولات لانجاحها، لكنها لم تنال التوفيق المناسب، منذ اتفاقية ابوجا، والدوحة، وجوبا للسلام، يري ان فكرة التعويضات مهمة جدا، هي لا تعني التنازل عن فكرة العدالة الانتقالية.
يطالب محمد بتقديم المتهمين من الجنرالات والقيادات العسكرية الي المحاكمات، اضافة الي تقديم الدعم النفسي والمعونات في شكل جبر الضرر، حتي يتسني المتاثرين العودة الي حياتهم بشكل طبيعي، والتعويضات وحدها غير كافية، ويكرر يجب ان تكون مصحوبة لكل من ارتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، واحيانا قضية المحاكمات لا تتحقق بشكل كافي، وتوظف قضية التعويضات، وجبرر الضرر من اجل شراء ذمم الضحايا.
يري احمد الزبير المدير التنفيذي للمرصد السوداني والباحث في حقوق الانسان ان جبر الضرر والتعويضات بشكل فردي غير مفيدة تماما، ويجب ان التعويض بشكل جماعي للمجتمعات التي عانت من ويلات الحروب في السودان، وان تذهب هذه التعويضات في تشييد المدارس والطرق، وبناء المدارس والمستشفيات في كل المناطق المتضررة.
يضيف الزبير ان التعويض الجماعي مفيد بالذات في المناطق التي نشبت فيها الحرب، يكرر ان اهمية التعويض الجماعي دائما يذهب الي تحقيق الخدمات الاساسية للمتضررين، اما اذا كان هناك شخص فقد مشروعا ماليا كبيرا له، عليه المطالبة بالتعويض الفردي، والدولة هي التي تتولي عملية التعويضات، باعتبارها الجهة المسؤولة التي تسببت في الضرر.
هارون ادريس ناشط سياسي ان ضحايا الحرب في دارفور، وجنوب كردفان ’’ جبال النوبة‘‘، والنيل الازرق، كلهم يستحقون التعويضات، وجبرر الضرر، لانهم عاشوا انتقام سياسات الدولة المركزية في الخرطوم، ومليشياتها المتعاونة في الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية التي حدثت في العقود السابقة، ما زال التاريخ يعيد نفسه في احداث الجنينة بولاية غرب دارفور، وبقية ولايات الاقليم التي تعاني من وحشية ممارسات قوات الدعم السريع.
يضيف هارون ان قضية التعويضات هي جزء عملية تحقيق العدالة الانتقالية التي يرغب ضحايا الحرب في السودان ان تتحقق، وهذا لن يتحقق، الا بوجود حكومة مستقرة وديمقراطية في السودان، تعطي الاولوية لتحقيق العدالة، يقول في ظل وجود الانظمة غير المستقرة والديكتاتورية، قضية التعويضات، وجبر الضرر يتم التلاعب بها، عبر الابتزاز والتخويف، وشراء بعض الضحايا لتحقيق مكاسب سياسية لجهات مستفيدة من عدم تحقيق العدالة الانتقالية، وكل ما يريده المظلومون ان يعاقب ويحاكم مرتبكي جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في السودان.
التعويضات وعلاقتها بعملية السلام، مسالة جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الانسان، اشار القانون الدولي الانساني الي الانتهاكات التي ارتكبت اثناء النزاع في دارفور، والتي اثارتها الامم المتحدة، تأتي في سياق الجرائم الدولية، اضافة الي انها نوقشت في مفاوضات السلام السابقة، علي سبيل المثال، اتفاق سلام دارفور الموقعة عام ٢٠٠٦ ، مع استمرار مفاوضات السلام، فان المناقشات المتعلقة بالتعويضات وضعت في الاعتبار.
في اتفاق سلام دارفور ’’ Darfur Peace Agreement ‘‘ تم وضع قضية التعويضات في صدارة مفاوضات السلام من خلال ادراج بنود التعويض في الاتفاق المبرم في مايو ٢٠٠٦، وتمت الاشارة الي اهمية تقديم تعويضات لضحايا النزاع، حتى قبل اتفاق سلام دارفور ، مما يشير إلى الأهمية التي يوليها الدارفوريون لهذه القضية.
يري مهتمون، يجب ان تكون الاولوية الرئيسية في اي مفاوضات سلام مستقبلية هي تحقيق السلام والامن، ووضع حد لانتهاكات حقوق الانسان، اضافة الي الاعتراف بحق الضحايا في التعويض كجزء من اي اتفاق، ويمكن البدء في اتخاذ تدابير لتلبية احتياجات الضحايا، واصلاح بعض الاضرار التي لحقت بهم، وان قضية جبر الضرر معترف بها كعنصر اساسي في اي اتفاق سلام.
اتفاق سلام دارفور انشأ لجان دعاوي الملكية ’’ Property Claims Committees ‘‘ لحل المطالب الفردية، والنظر الي ملكية الاصول والاراضي، وانشأت لجنة تقوم بتوفير التعويض عن الاضرار الاخري، بما ذلك، الاصابة الجسدية او العقلية، والمعاناة العاطفية، او الخسائر البشرية والاقتصادية المرتبطة بالنزاع، وتساعد اللجنة في تسهيل اعادة التاهيل، وتوفير الرعاية الطبية والنفسبة، وتقديم المساعدة القانونية والخدمات الاجتماعية، والتأكيد علي قبول المسؤولية عن الاضرار، وتقديم ضمانات بعدم التكرار.
من ناحية اخري، يثير منتقدو التعويضات مخاوف مختلفة، بما في ذلك، اسئلة حول الجدوي والتكلفة والعواقب المحتملة غير المقصودة لتنفيذ البرامج، ومن الذي يجب ان يدفع ثمنها، وكيفية ضمان حصول المستفيدين المستهدفين علي الدعم الكافي، ولا يزال موضوع التعويضات معقدا، مناقشا مع جهود مستمرة لمعالجة الظلم التاريخي في اجزاء مختلفة من العالم.
تم إنتاج هذا التقرير، الذي نُشر في الأصل في صحيفة سودان بوست، من خلال تعاون وايامو المستمر مع شبكة من الصحفيين السودانيين كجزء من مشروعها المستمر “بناء قدرات المجتمع المدني وقطاع العدالة في السودان” الذي تم إطلاقه في مارس ٢٠٢٢. ويهدف المشروع إلى تعزيز قدرة المجتمع المدني والجهات الفاعلة القانونية في السودان أثناء مشاركتهم في عملية العدالة الانتقالية. ويتم تدريب الأفراد على القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، ويتم تزويدهم بالمعرفة اللازمة للتعامل مع قضايا الجرائم الخطيرة التي تعرض على المحاكم، بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية.