منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي كانت موالية له، كثُرت الأحاديث عن الأطراف، التي تدعم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هذه القوات. القيادات العليا في المؤسسة العسكرية لم تخفي اتهاماتها للعديد من الدول في الجوار الإفريقي، وأشارت أصابع الاتهامات مباشرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وصفها الفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وعضو مجلس السيادة السوداني، “بأنها دويلة الشرّ، التي لا تتواني في دعم القوات المتمردة على الدولة” وتشير الدراسات والتحاليل السياسية الغربية في ذات الوقت، إلى الدور الروسي عبر مجموعة “فاغنر ” المتورطة في دعم أسرة آل دقلو.
وبحسب تقارير علمية موثقة، أصبحت عمليات تهريب الذهب السوداني بمثابة شريان حياة لجهود الحرب الروسية في أوكرانيا وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، حيث يقال، إن الذهب غير المشروع من السودان يتم تهريبه عبر الإمارات العربية المتحدة وإلى السوق العالمية في نهاية المطاف. وأثار ذلك مخاوف من أن الإمارات قد تستفيد من الأنشطة المرتبطة بالنزاع، حيث يُعدّ الذهب مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الجماعات المسلحة في السودان، وتفيد التقارير، إن قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” تعتمد بشكل كبير على الذهب المُهرّب، كما أن دقلو، – الذي يُقال إنه أحد أغنى الرجال في السودان، وله أكثر من ٥٠ شركة تحمل اسمه -، له علاقات وثيقة مع مجموعة فاغنر الروسي الذي أُعيدت تسميته الآن “بفيلق أفريقيا”. وقد حددت الأمم المتحدة “الشبكات المالية المعقدة التي أنشأتها قوات الدعم السريع” والتي تسهل الحصول على الأسلحة، ودفع الرواتب، والدعم السياسي. ووفقا للأمم المتحدة، أصبح تهريب الذهب مصدرا رئيسيا لتمويل الصراع في منطقة دارفور غرب في السودان، ومؤخرا اتهمت ثماني منظمات لتحليل التعدين، بقيادة Swissaid، جمعية سوق السبائك في لندن (London Bullion Market Association) بالفشل في استبعاد الذهب المرتبط بشكل كاف، لانتهاكات حقوق الإنسان من سلسلة التوريد الخاصة بها.
كشفت التقارير أيضا إن المصافي المعتمدة من قبل جمعية “سوق السبابك” في لندن تحصل على الذهب من مُورّدين ومناجم مشكوك فيها، على الرغم من وجود أدلة على “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والتدهور البيئي”، وتواجه الجمعية دعوات لاتخاذ إجراءات، وتعهدت بالقيام بذلك بعد قمتها القادمة حول مصادر المعادن المسؤولة. ومن المعروف أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لها صلات كبيرة بارتكاب جرائم دولية، كما يتضح من الصراعات مثل تلك التي اندلعت في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية، حيث أدت التجارة غير المشروعة في الماس والذهب إلى تأجيج العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
في الحالة السودانية، من المعروف أن الأنشطة غير المشروعة، مثل تهريب الأسلحة والاتجار بالبشر، تُساهم في استمرار الصراع، وتُقوّضُ الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة. في ذات الوقت، تمّ تسمية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تقوم بتعدين الذهب بنفسها، على أنها بلد المنشأ لما يقرب من ١٥٠ طنًا متريًا من الذهب المباعة في عام ٢٠٢١.
لكن دولة الامارات العربية المتحدة نفت مزاعم التواطؤ في تجارة الذهب غير المشروعة، وتتهم جهاتٌ دوليةٌ وحقوقيةٌ الإمارات بتقديم الأسلحة والدعم اللوجستي للجماعات المسلحة في السودان، المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم حرب ضد المدنيين، ويُقال أيضا، إن دعمها ساهم في انتشار العنف والنزوح واستهداف المدنيين، والمجموعات العرقية، التي يمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. ما حدث في ولاية غرب دارفور من قبل قوات الدعم والقبائل العربية الموالية له بارتكاب فظائع ضد قبيلة “المساليت”، وأدي الصراع في السودان وخاصة في الجنينة بغرب دارفور إلى مقتل ١٥ ألف مدني منذ أبريل ٢٠٢٣ وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
تري أطرافٌ قانونيٌة، تطرح عدد من الأسئلة أبرزها، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، هل يمكن مساءلة الأفراد عن الجرائم الدولية بغض النظر عن مكان ارتكابها، وهذا يعني أنه حتى لو حدثت الجرائم المزعومة في السودان، فيمكن محاكمة المواطنين غير السودانيين المتورطين في ولايات قضائية أخرى بموجب قوانين الولاية القضائية العالمية.
تُطالب جهاتٌ قانونيةٌ وحقوقيةٌ سودانيةٌ بفرض عقوبات على الإمارات العربية المتحدة وجمعية سوق السبائك في لندن لتورطهما المزعوم في جرائم ضد المدنيين وجرائم إنسانية، وتسلط هذه الادعاءات الضوء أيضًا على الحاجة الملحة لمعالجة تجارة الذهب غير المشروعة وعواقبها المدمرة على المدنيين في السودان وخارجه.
في خضم الصراع المستمر في السودان، أصبح دور الجهات الفاعلة الخارجية وآليات المساءلة الدولية “موضع تركيز حاد، وواجهت المحكمة الجنائية الدولية، التي تتمتع بسلطة قضائية على الجرائم المرتكبة في دارفور بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٥٩٣، الذي تم اعتماده في عام ٢٠٠٥، العديد من التحديات في تأمين التعاون من الحكومة السودانية، وأصدرت مذكرات اعتقال بحق العديد من كبار الشخصيات المشتبه في تورطهم في الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وقد فشلت الحكومة السودانية في عهد الرئيس السابق، عمر حسن أحمد البشير في التعاون مع المحكمة، ولكن التطورات الأخيرة قد تعطي حياة جديدة للتعاون، ومن شأن إنشاء الحكومة مؤخراً للجنة العدالة الانتقالية، أن يفتح آفاقاً للتعاون. قد شكلت قضية الإبادة الجماعية في ميانمار وكذلك قضية جنوب افريقيا ضد اسرائيل، سابقة لرفع الشكاوى حول الانتهاكات المحتملة للإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية، وهو ما يراه القانونيون أنه قد يفتح الباب أمام آليات المساءلة الدولية، ومن المتوقع تقديم شكاوى مماثلة ضد الإمارات العربية المتحدة لدورها المزعوم في السودان.
ومع قيام المجتمع الدولي بالتدقيق في تورط الإمارات العربية المتحدة في صراع السودان، واحتمال ارتكاب جرائم دولية، فإن الولاية القضائية العالمية وآليات مثل محكمة العدل الدولية، توفر سبلاً للمساءلة، حتى في الوقت الذي تسلط فيه المخاوف بشأن تهريب الذهب الضوء على الروابط المعقدة وغير المشروعة المحتملة في السودان..
روسيا ومجموعة فاغنر، وقود الصراع في السودان بقلم إلين كاميرون’ علي موقع لندن بوليتيكا LONDON POLITICA ” ومع حدوث التصعيد السريع، أصبحت الأدلة على الدعم الروسي لقوات الدعم السريع قبل النزاع واضحة. ويشير النشاط في القواعد الجوية الليبية المرتبطة بمجموعة فاغنر وروسيا إلى وجود خطط لدعم قوات الدعم السريع قبل اندلاع القتال. ويبدو أن الصراع في السودان يرضي المصالح الروسية في الذهب السوداني وسعي حميدتي إلى السلطة. إن المشاركة الروسية في القتال هي تذكير مهم بالأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنسبة للمصالح الروسية”
تؤكد إلين إن ظهور مجموعة فاغنر لأول مرة في السودان عام ٢٠١٧، حينها أسست شركة “مروي جولد” لاستكشاف واستخراج موارد الذهب الهائلة في السودان، منذ ذلك الوقت، عززت مجموعة فاغنر علاقاتها مع حميدتي، حيث قام أعضاء من قوات الدعم السريع بتوفير حماية لــ”مروي جولد”، وكانت هذه العلاقة أساسية في الإطاحة بالبشير عام ٢٠١٩، وكان تعاونهم المستمر فعالا في الحصول على الموارد والقوة للقتال المستمر في السودان.
وأشارت إلين إلى أن حميدتي سافر إلى روسيا في فبراير ٢٠٢٢، لتأمين المعدات العسكرية والموافقة على بناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، وهي خطوة لم يؤيدها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مبينة أن الاعمال بين السودان ومجموعة فاغنر كانت موضوعا للنقاش، لكن فشل البرهان وحميدتي في الاتفاق عليه، وشكلت هذه الخلافات حول فاغنر نقطة محورية في التصعيد، حيث شكلت زيادة النشاط في قواعد فاغنر الجوية وتزويد حميدتي بالصواريخ خطة واضحة للحرب قبل اندلاع القتال.
تري الين أن الدوافع الروسية ليست واضحة تمامًا فيما يتعلق بتعاونها مع حميدتي، فمن الواضح أن روسيا ومجموعة فاغنر لهما مصالح اقتصادية حاسمة في السودان، بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال امتداد الصراع إلى البلدان المجاورة يمكن أن يكون قاتلاً لمشاريع استخراج الذهب الأخرى، في ذات الوقت تتزايد الضغوط على الدول الغربية بشأن اتخاذ اجراءات لحماية المدنيين السودانيين الأبرياء.
وفي هذا الإطار، واجه الاتحاد الأوروبي المزيد من الانتقادات والإدانات لتمويله مشاريع مكافحة الهجرة لوقف الهجرة الجماعية من السودان إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأعرب وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو عن ضرورة بذل المزيد من الجهود في السودان، مع تزايد المخاوف من دور روسيا في ظل صمت الاتحاد الأوروبي عن جهوده لوقف العنف، وهذا يفتح الفرصة أمام روسيا لتعزيز مصالحها مع السودان.
تقول إلين ان هذه ليست المرة الأولى للتدخل الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان لروسيا دور كبير في الحرب الأهلية السورية بمصالح اقتصادية وسياسية، ولعبت مجموعة فاغنر أيضًا دورًا حيويًا في الصراع السوري، حيث قدمت المعدات والقوى العاملة مقابل النفط والغاز، بالإضافة إلى ذلك، فقد دعمت شركة النفط والغاز EvroPolis، المملوكة لمجموعة فاغنر، أيضًا العديد من العمليات في جميع أنحاء إفريقيا والتي تتوسع مع استمرار روسيا في حملات التضليل في جميع أنحاء القارة.
وتتهم إلين الحكومة الروسية بالمساهمة في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشكل الصراع السوداني جزءًا حيويًا آخر من خطة مواصلة دورها كلاعب داخل المنطقة، في حين يقدم السودان لروسيا مجموعة من المصادر الاقتصادية، ويبدو أن روسيا تريد أن تضع نفسها كقوة عسكرية مهيمنة للسيطرة والقوة من أجل تحدي تلك الدول التي تهدد مصادرها الاقتصادية في المنطقة، ولا يبدو أن احتمال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممكن طالما أن روسيا متورطة، خاصة فيما يتعلق بالسودان.
بينما يري الناشط الحقوقي السوداني، إدريس هارون المقيم في شرق دولة تشاد، إن هناك أطراف عديدة متورطة في إذكاء الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى وجود جهات إقليمية متورطة ممثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم قوات الدعم السريع، التي ارتكبت انتهاكات ترتقي إلى الإبادة الجماعية في ولاية غرب دارفور “الجنينة”، حيث قُتلَ الآلاف من الأبرياء من قبيلة المساليت، وهو ما يرتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعلى دولة الإمارات أن توقف هذا الدعم لهذه القوات سيئة السمعة.
يضيف إدريس، أن الغرض من الدعم الإماراتي هو الحصول علي الذهب السوداني بمساعدة هذه القوات، قبل سنوات كانت تسيطر بالكامل على منطقة جبل عامر الغنية بمعدن الذهب. وتعتبر فترة الرئيس السابق عمر البشير هي الفترة التي اكتسبت هذه القوات مناعة وقوة، كما عمل المقربين من النظام السابق على فتح علاقات اقتصادية للدعم السريع من حكومة أبوظبي، ما ساهم في جعل الدعم السريع أيضا قوة اقتصادية لا يستهان بها، على الرغم من سكوت العديد من الاحزاب السياسية لتمدد الدعم السريع في السودان، لكن الجهات القانونية والحقوقية كانت مدركة لخطورة هذا الوضع في البلاد، لأن ما حدث في أبريل ٢٠٢٣، هو دليل واضح لتلك المخاوف.
على المجتمع الدولي أن يكون حاضرا في الملف السواني، خاصة الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات والأطراف الإقليمية والدولية، التي تورطت في دعمهم، ويجب تقديم شكاوى إلى المحاكم الإقليمية والدولية بخصوص الانتهاكات المعروفة للعالم في إقليم دارفور، وكردفان، والخرطوم والجزيرة، ويجب تفعيل الولاية القضائية العالمية ضد كل من يتورط ويشارك في الانتهاكات، حتى أذا كان يقيم خارج السودان. ويري إدريس بأنه هنا يأتي الدور الحقيقي للمحامين السودانيين في الداخل والخارج، لرفع هذه القضايا إلى الجهات العدلية الدولية والحقوقية، ويجب عدم التغاضي عن الايادي الروسية في غرب إفريقيا وتأثيرها المباشر على الأوضاع في السودان واقليم دارفور بطريقة سلبية.
في ذات السياق قال محلل سياسي فضل حجب اسمه لــ(سوداني بوست) إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية متورطة بشكل أساسي في الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم، بسكوتها على دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لأسرة آل دقلو، وأن الدول الغربية تستخدم النهج الاستعماري لتركيع الحكومة السودانية، التي يقودها الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان. لقد أصبح السودان لعقود عصيا على الاستجابة لسياساتهم الاستعمارية والاستبدادية، ورفض تنفيذ اجندتها، التي لا تتوافق مع السياسة الداخلية والثقافية للسودان، كما يسعى الغرب بكل ما أوتي من قوة للقضاء على السودان، وجعله دولة ضعيفة يسهل السيطرة وفرض الإملاءات عليها. وأشار إلى أن هذه الدول رغم الانتقادات التي توجهها لدولة الامارات العربية المتحدة، لكن في باطن الامر، هناك تنسيق على مستوي عالي جدا، بهدف إخضاع الجيش السوداني. إن حكومة أبوظبي لا تعمل وحدها في هذا الجانب المتعلق بتهريب الذهب السوداني، بل تستفيد من العوائد المالية الضخمة للذهب في الأسواق العالمية أطراف أخرى. إضافة لذلك، توقع كثيرون أن يسقط الجيش في أول أسبوع من محاولة سيطرة الدعم العاصمة المثلثة “الخرطوم”، حتى يتم تكوين حكومة موالية لدولة الإمارات العربية المتحدة، المتحالفة تحت الطاولة مع بعض الحكومات الغربية. أما دول الجوار الإفريقي التي تُستخدم ضد السودان، هي مجرد تابع، وترتزق على الموائد الغربية.