وسط نيران المعارك، يتقاسم الصحفيون السودانيون معاناة الحرب مع جموع الشعب السوداني، الذي توزّع بين قتيل ومصاب، ونازح ومشرد هربًا من نيران المعارك. منذ اشتعال هذه الحرب، قُتِل أكثر من ١٠ صحفيين، وشُرِّد المئات منهم داخليًا، وفي المنفى خارج السودان.
ومع مرور كل يوم، يمارس طرفا النزاع مختلف أنواع الانتهاكات تجاه الصحفيين من قتل، واعتقال تعسفي، وإخفاء قسري، متجاهلين القوانين الدولية والمحلية التي تحمي الصحفيين في أوقات النزاع، وسط صمت إقليمي ودولي ترك الصحفيين السودانيين وحيدين يواجهون مصيرهم
يقول السكرتير العام لنقابة الصحفيين، محمد عبد العزيز، لـ”الترا سودان”: “إن مَن عمل على إشعال هذه الحرب خطط لتغيير بيئة الإعلام، حتى يسيطر على الأصوات الداعية لوقف الحرب، وينخفض صوت الصحفيين المهنيين، خاصة أن المؤسسات الإعلامية والصحف أصبحت خارج الخدمة”.
وأضاف عبد العزيز في سياق شرحه لظروف الصحفيين، أن الهجمات الأمنية تستمر على المراسلين والضغط عليهم ليكونوا جزءًا من خط الدعاية الحربية، حيث تم اعتقال وقتل عدد من الصحفيين، وهذا ما دفع الصحفيين لمغادرة مناطق الاشتباكات وهروبهم خارج السودان؛ مما خلق حالة من الظلام الإعلامي.
وأردف بأن قطع الإنترنت والاتصالات أثر على التغطية الإعلامية، خاصة في ظل حرب لا يُحترم فيها القانون الإنساني، وأن هناك العديد من التحديات من عدم احترام الطرفين لحرية الإعلام وحماية الصحفيين، ونتيجة لذلك وقعت العديد من الانتهاكات، حيث قُتل ١٠ من الصحفيين والإعلاميين بشكل مباشر، مثل الصحفية التي دهستها سيارة تابعة للدعم السريع، وأحمد عربي الذي كان متواجدًا في منطقة أم درمان القديمة التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة. بجانب ذلك، أصبح العديد من الصحفيين متوقفين عن العمل نتيجة لتوقف المؤسسات الإعلامية.
وحدد عبد العزيز أربعة تحديات تواجه الصحفيين خلال هذا النزاع، تتمثل في القتل، والاعتقال، والرقابة، وتقييد الحركة، مما يؤثر سلبًا على تقديم الصحفي خدمة صحفية مهنية. وأضاف أن النقابة تقوم بجهود لحماية الصحفيين، مثل عمليات الإجلاء، والدعم النفسي والمادي، ومشاركة البيانات والتقارير ذات الصلة بهم، وذلك بالتنسيق مع لجنة محامي الطوارئ لتوفير الدعم القانوني للصحفيين.
أضاف عضو سكرتارية شبكة الصحفيين، علاء الدين محمود: “في ظل غياب المصادر وشح المعلومات، يصبح العمل الصحفي الميداني الاستقصائي أحد أكثر الطرق والأساليب الصحفية أهمية في توفير المعلومات، ولكن ذلك الأمر يصطدم بالرغبة الشديدة في إخفاء المعلومات من قبل طرفي الصراع في السودان”.
وأضاف لـ”الترا سودان”، أن الصحفيين باتوا يتعرضون للمضايقات والانتهاكات، بل الاغتيالات والعنف الجسدي، كما أن هناك الكثير من حالات الاعتقال من قبل الجيش والإخفاء القسري من قبل الدعم السريع، بسبب أن الصحفيين يسعون لإبراز الحقائق على أرض الواقع.
يقول علاء الدين محمود إن الشبكة إضافة إلى النقابة وعدد من الأجسام الصحفية وفروا معلومات عن الصحفيين المعتقلين والمخفيين أو الذين اُغْتِيلُوا، لكن متابعة الحالات نفسها تتطلب جهودًا ميدانية، وهو أمر يصعب نسبة للانتهاكات المستمرة من قبل الطرفين.
ويضيف: “من المؤسف أن الانتهاكات تقع من قبل الجيش، بما في ذلك المناطق التي لا تشملها الحرب، مثل بورتسودان، والقضارف، وكسلا، تحت ذريعة ودعاوى التعاون مع الدعم السريع، مما يجعل حتى متابعة أحوال النازحين في المناطق الآمنة في غاية الصعوبة”.
وأشار محمود إلى أن الوضع يبدو في غاية السوء، ويتطلب نوعًا من التضامن من قبل المنظمات الصحفية الدولية، وضرورة إقناع الطرفين برسالة الصحافة وأهميتها. وأردف بأن غياب المساءلة والمحاسبة شجع أطراف الصراع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في حق الصحفيين، حيث تستمر عمليات قتل الصحفيين، بجانب الاعتقال والاختفاء القسري.
وأضاف أن حرية التعبير خلال فترة الحرب تقل مساحتها، وأصبحت تحت رحمة طرفي الصراع دون احترام للقانون الدولي الإنساني الذي يحمي الصحفيين خلال النزاعات، وهذا أدى إلى عدم تمكن الصحفيين من القيام بعملهم؛ مما خلق جوًا من الإشاعات والمعلومات المضللة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
فيما يرى الباحث بالمركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام، المحامي أمير سليمان، أن هنالك العديد من مستويات الحماية القانونية للصحفيين، وتبدأ على المستوى المحلي ومن ثم الإقليمي والدولي. وأضاف لـ(الترا سودان): “على المستوى الوطني يوجد دستور السودان الانتقالي ووثيقة الحريات التي نصت على الحق في حرية الرأي والتعبير، بجانب قوانين منظمة للعمل الصحفي وتداول المعلومات، على الرغم من أن معظمها تقيّد حرية الرأي والتعبير؛ لأنها صدرت في ظل نظام استبدادي، وأن للسودان التزامات كان مفترضًا أن تحدث عملية إصلاح قانوني لحماية الصحفيين، ويمكن استغلال فترة ما بعد الحرب في إصلاح القوانين والمؤسسات”.
يشير سليمان إلى أن عدم حماية الصحفيين يشكل إغلاقًا لباب يسمح بمرور المعلومات لفائدة العمل الإنساني، ونقل أوضاع الأشخاص المتعرضين لكارثة الحرب، ويوضح الحالة العامة للبلد والاقتصاد وتأثير الحرب على الأعيان المدنية، في ظل سعي طرفي الحرب لإخفاء جرائم الحرب ضد المدنيين.
وأضاف: “على الرغم من إمكانية الحصول على المعلومات من الوسائط، لكن هنالك ضرورة لوجود الصحفيين على الأرض للتغطية المهنية”.
كما يعدد المحامي أمير سليمان الوسائل المتاحة لحماية الصحفيين، منها المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعترف به من جمهورية السودان، حيث تنص على حرية التعبير، متضمنة حماية الصحفيين، بجانب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة ١٩٦٦، الذي صادق عليه السودان، وبالتالي فإن طرفي الحرب ملزمان بحماية الصحفيين والسماح لهم بممارسة عملهم.
وأضاف أن اليونسكو في سعيها لدعم السلام العالمي في ١٩٧٨ قامت بعمل إعلان يدعم السلام والتفاهم الدولي، ونصت على الحق في تبادل المعلومات وحرية التعبير. أيضًا في ٢٠٠٢ صدر إعلان في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا يتحدث عن الأمن القومي وحرية الحصول على المعلومات، وهذا يتيح للجهات الصحفية الحصول على المعلومات. بجانب ذلك، تصدر الأمم المتحدة تقارير عن حرية الرأي والتعبير، وتعطي توجيهات للدول بضرورة حماية الصحفيين، والاتفاقية الخاصة بحماية المدافعين، ومن ضمنهم الصحفيين لأنهم ينشرون أخبار الانتهاكات.
ويضيف أمير أنه في ٢٠١٠ أصدرت المحكمة الأوروبية قرارًا بضرورة حماية الصحفيين خلال عملهم، كما أصدر الصليب الأحمر قواعد للقانون العرفي الإنساني وحماية الصحفيين في مناطق النزاعات. وتضمن القانون الدولي الإنساني في المادة ٧٩ والبروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف، التي تتعامل مع الصحفيين في مناطق النزاعات بأنهم مدنيون، ويجب أن تتوفر لهم الحماية بجانب الأجهزة المستخدمة من قبل وسائل الإعلام باعتبارها من الأعيان المدنية، ويجب حمايتها.
وأشار سليمان إلى أهمية القرار الذي أصدره مجلس الأمن رقم ١٧٣٨ الذي يدين الهجمات التي تقع على الصحفيين خلال النزاعات، وينص على أن الأطراف المتحاربة يجب عليها كفالة سلامة الصحفيين.
على المستوى الإقليمي الأفريقي، هنالك مقرر خاص بحرية الرأي والتعبير يتبع للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، ولديه تقارير عن حرية التعبير في الدول الأفريقية، وتشمل التطورات التشريعية والقانونية في الدول، وأيضًا يقدم ملاحظات عامة للدول لتحسين أوضاع حرية التعبير، ومن الممكن أن يشكل بعثات تقصي حقائق للدول التي تحدث بها انتهاكات، ويقدم تقرير وملاحظات عن الإصلاحات القانونية المطلوبة، ويمكن أن يتدخل في حالة السودان لوقوع انتهاكات واسعة في حق الصحفيين.