مركز العدالة الإلكتروني الخاص بالسودان: أخبار وموارد حول النزاع وأدوات لمعالجة إنتهاكات حقوق الإنسان

روابط الدم والعدالة الانتقالية.. تحديات حماية الشهود في السودان

تقرير: إدريس عبد الله

تواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبيرة في تنفيذ آليات حماية الشهود في بلدان مثل السودان، حيث تتخلل روابط الدم والقرابة نسيج المجتمع وتؤثر بشكل مباشر على سلوك الأفراد وقراراتهم. وفي المجتمعات التي تعتمد على التضامن القبلي والعائلي، قد يجد الشهود صعوبة في الإدلاء بشهاداتهم ضد أفراد الأسرة أو القبائل، خوفًا من الانتقام أو فقدان الدعم الاجتماعي.

وهذا الواقع يجعل تحقيق العدالة مهمة شاقة، ويدعو إلى إعادة النظر في النماذج التقليدية لحماية الشهود وتطوير آليات جديدة تتكيف مع خصوصيات السياق السوداني.
يقول الباحث الاجتماعي محمد عبدالقادر تعتبر روابط الدم من أقدم وأقوى الروابط الاجتماعية التي شكلت النسيج المجتمعي في السودان على مر العصور. هذه الروابط، التي تجمع الأفراد ضمن عشائر وقبائل، لها تأثير عميق على العلاقات الاجتماعية، وتشكل هيكلًا أساسيًا للحياة المجتمعية.

وتابع أن الحق والباطل، الصواب والخطأ، يُحدَّدون وفق الوعي الجماعي للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد. فمثلاً، في مجتمعات بسيطة في السودان، قد يفقد الفرد مكانته الاجتماعية حتى إن ارتكب خطأ، خاصة إذا كان هذا الفرد ذا مكانة اجتماعية.

يضيف عبدالقادر مع تطور المجتمع السوداني وتزايد التفاعل مع الثقافات الأخرى، شهد دور روابط الدم تغييرات كبيرة. فمن جهة، لا تزال هذه الروابط تحتفظ بأهميتها في حياة الكثير من السودانيين، ومن جهة أخرى، ظهرت قوى اجتماعية واقتصادية جديدة تعمل على تقويض هذه الروابط، ولكن بضرورة تشكل روابط اجتماعية اخرى متماسكة وفق للمصالح.

ويؤكد محمد تعتبر روابط الدم جزءًا لا يتجزأ من الهوية السودانية، ولها تأثير عميق على العلاقات الاجتماعية. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه الروابط في ظل التغيرات الاجتماعية، إلا أنها زادت تقوية العلاقات بعد اشتعال الحرب حيث أصبح حماية الفرد مرتبط بقوة الجماعة التي ينتمي إليها.

وقال إن شاهد على ذلك عمليات الاعتقال والتصفية التي تنتشر في السودان بحجة التعاون مع أحد أطراف الصراع أو بتهمة أن أحد أفراد الأسرة يعمل لدى الطرف الآخر، كما حدث في ولاية سنار ويحدث الآن في ولاية الجزيرة ومناطق أخرى، وتعرض أسر أفراد يُعتقد انتماؤهم للجيش أو الدعم السريع للاعتقال والتصفية، يجعلنا نظُر إلى مستقبل العدالة في السودان بخوف شديد. فذلك يجعل تهديدات بصلة القرابة والأسرة ترهب الكثيرين، خاصة في نظام اجتماعي تؤثر فيه علاقات القرابة والدعم بشكل كبير.

وتعتبر حماية الشهود ركيزة أساسية في عمل المحكمة الجنائية الدولية، فهي تسمح بإجراء تحقيقات ومحاكمات عادلة وشاملة للجرائم الدولية الأكثر خطورة. شهادة الشهود هي دليل قوي لإدانة مرتكبي الجرائم، وحمايتهم تشجع الضحايا على الإبلاغ عن الجرائم دون خوف من الانتقام، مما يساهم في تحقيق العدالة الانتقالية ونزاهة الإجراءات القضائية.

ورغم أهمية حماية الشهود، إلا أن المحكمة تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال. فالشهود وخاصة في قضايا الجرائم الجسيمة، يتعرضون لتهديدات مستمرة من قبل الجناة أو من يؤيدونهم. كما تواجه المحكمة نقصاً في الموارد اللازمة لتوفير حماية شاملة للشهود، وتواجه صعوبات في الحصول على التعاون الدولي الكافي من الدول الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على سرية هوية الشهود وتقديم الدعم النفسي لهم يعد تحدياً كبيراً، خاصة في ظل الضغوط النفسية التي يتعرضون لها.

وللتغلب على هذه التحديات، طورت المحكمة برامج حماية متكاملة تشمل إعادة التوطين والحماية الشخصية وتغيير الهوية والدعم المالي والنفسي. كما تعمل على تعزيز التعاون الدولي وتطوير إجراءاتها لتلبية احتياجات حماية الشهود.
من جهته يقول المحامي ومدافع عن حقوق الانسان سمير مكين إن إليات حماية الشهود أمام المحكمة الجنائية الدولية قبل مرحلة المحاكمات قد تتضمن نقل الشهود من مكان يهدد أمنهم إلى دولة أكثر أمانًا. أما أثناء المحاكمات، فقد تتخذ إجراءات الحماية أشكالًا مختلفة، مثل سماع الشاهد عبر الدوائر التلفزيونية دون الكشف عن مكانه أو تظليل صورته. وفي بعض الحالات، يتم تعديل صوته بواسطة تأثيرات صوتية لمنع التعرف عليه. مع التأكيد على ضرورة السماح للدفاع بمناقشة الشاهد في جميع الحالات.

ويضيف مكين ان إحدى نقاط الضعف تتمثل في طول فترة الانتظار لإجراءات التحقيق، كما في قضية السودان التي استغرقت حوالي عشرين عامًا. هذا التأخير قد يؤثر على قدرة الشهود على تذكر التفاصيل بدقة، أو قد يؤدي إلى وفاة بعضهم أو فقدانهم القدرة على الإدلاء بشهادتهم بسبب تقدم العمر.

قد تتأثر إرادة الشاهد بالإدلاء بشهادته إذا تعرض أقاربه للتهديد، مما يستوجب توفير حماية لهم. فإذا كان التهديد جدياً، قد يمتنع الشاهد عن الشهادة خوفًا على أسرته، خصوصا في وضع السودان ذات الاسر الممتدة.
وتابع: قد يؤدي عدم إمكانية إحضار الشهود إلى عدم كفاية الأدلة، مما يؤثر على سير العدالة وقد يؤدي إلى إسقاط التهمة.

ومع التطور التكنولوجي، ظهرت أدلة جديدة تعرف بـ “المصادر المفتوحة”، وهي أدلة قوية يمكن الاعتماد عليها في العديد من القضايا وتقبلها المحاكم، مما يدعم أدلة الشهود ويرفع من مستوى الإثبات.
مع ذلك يقول مكين يجب مراعاة العوامل الثقافية والاجتماعية عند تصميم برامج حماية الشهود، لا سيما في المجتمعات التي تتميز بنظام العائلة الممتدة. يجب أن تشمل برامج الحماية الأسرة بأكملها لضمان سلامة الشاهد وتمكينه من الإدلاء بشهادته بحرية.”

وقال سمير إذا ارادت المحكمة الجنائية الدولية تحقيق العادلة يجب إن تنظر لذلك فيما يتعلق بوضع السودان.
تروي التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان العاملة في السودان قصصاً مؤلمة عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، تستند إلى شهادات مباشرة من الضحايا والشهود. هذه الشهادات ترسم صورة قاتمة لواقع يعيش فيه السودانيون تحت وطأة القمع والعنف، وتكشف عن انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية كالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية، وحق التعبير والتجمع السلمي.

تشمل هذه الانتهاكات القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي والتشريد القسري وتقييد الحريات العامة. تصف الشهادات تفاصيل مروعة لما تعرض له الضحايا، وتكشف عن حجم المعاناة التي يعيشها السودانيون.

تلعب منظمات حقوق الإنسان دوراً حيوياً في توثيق هذه الانتهاكات وكشفها للعالم، فهي تعمل على جمع الأدلة وتوثيق الشهادات وإعداد التقارير، وتقوم بحملات الضغط على الحكومات والمجتمع الدولي للضغط من أجل وقف الانتهاكات وتحقيق العدالة للضحايا.
ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات تحديات كبيرة في عملها، مثل التهديدات والاعتقالات التي يتعرض لها العاملون فيها، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة وتوثيق الانتهاكات.

تعتبر التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان وثيقة إدانة قوية للنظام الحاكم في السودان، وتدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات وحماية المدنيين.
مع ذلك يؤكد مكين على ان الشهود ضلع مهم في تحقيق العدالة.

من جهته يقول المحامي والقانوني عبدالباسط الحاج أساسًا، لا تستطيع المحكمة الجنائية في المرحلة الأولية تطبيق أي بروتوكولات لحماية الشهود، خاصة قبل تأكيد التهم وتحويل الملف إلى الدائرة التمهيدية. ولكن بعد ذلك، وخاصة بعد القبض على الجاني وتقديمه للمحاكمة، يمكن للمحكمة، وفقًا لقواعد الإثبات وبروتوكولات الحماية، أن تتخذ إجراءات حماية للشاهد، مثل نقله إلى مكان آمن. هذا الإجراء معمول به عادةً، وقد يتضمن نقل الشاهد إلى دولة أخرى إذا كان يتعرض لتهديدات جدية. يتم تقييم مستوى التهديد بناءً على تقارير من النيابة العامة. ومع ذلك، لا يوجد في السودان أجهزة متخصصة لحماية الشهود، ويتم التعامل مع تهديدات الشهود كجرائم تعرقل سير العدالة.

ويضيف الحاج يؤثر عامل القرابة والعلاقات العائلية بشكل كبير على الشهود، خاصة في مجتمعات مثل السودان حيث تلعب الانتماءات القبلية والعرقية دورًا حاسمًا. إذا كان الشهود ينتمون إلى نفس القبيلة أو العرق مثل المتهم، فمن المحتمل أن يتأثروا بعوامل اجتماعية وثقافية قد تؤثر على شهادتهم. هذه التحيزات موجودة بشكل كبير في السودان، خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة حيث يعيش الناس في مجموعات قبلية وعرقية متماسكة.

رفض مثل هؤلاء الشهود للإدلاء بشهادتهم، خاصة إذا كانت شهادتهم حاسمة وحملت أدلة قوية، يمكن أن يؤثر بشكل كبير على سير القضية. ومع ذلك، إذا كان الشاهد الوحيد الحامل لأدلة قوية، فقد يتم الاستغناء عنه والبحث عن أدلة أخرى حسب عبدالباسط.
يقول الحاج يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه العوامل الثقافية والاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على سير العدالة في السودان، خاصة في القضايا التي تتضمن نزاعات قبلية أو عرقية.

يضف تؤثر الخلفيات الاجتماعية والجغرافية للشاهد، والمتهم، والضحية بشكل كبير على سير العدالة، خاصة في سياقات الصراع والانقسامات العرقية والقبلية. في ظل هذه الظروف، يصبح الشاهد هدفًا محتملًا للتهديد والانتقام، مما يعرض حياته وسلامة عائلته للخطر. لذلك، فإن حماية الشهود تعتبر أمرًا بالغ الأهمية لضمان سير العدالة وتقديم الجناة إلى العدالة.

ويؤكد الحاج تتعدد التحديات التي تواجه حماية الشهود، خاصة في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة أو اضطرابات اجتماعية. فالتعصب القبلي والعرقي، وانتشار السلاح، وقلة الثقة في المؤسسات الحكومية، كلها عوامل تساهم في تعقيد عملية حماية الشهود.

لحماية الشهود بشكل فعال، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية، بما في ذلك حماية هوية الشاهد، ونقله إلى مكان آمن، وتوفير حراسة له، وتقديم الدعم النفسي والقانوني. كما يجب توعية المجتمع بأهمية حماية الشهود، وتشجيعهم على التعاون مع السلطات القضائية.
إن حماية الشهود ليست مجرد مسؤولية قضائية، بل هي مسؤولية مجتمعية. فبإدلاء الشهود بشهادتهم، يساهمون في تحقيق العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب. لذلك، فإن حماية هذه الشهادات هي حماية للمجتمع بأكمله.، علي حد قوله.

يقول الحاج: فيما تتعلق بكيفية تعزيز التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية ومجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان نجاح برامج حماية الشهود. من الضروري أن تتعاون المحكمة مع المنظمات الوطنية في توثيق ورصد الانتهاكات. يمكن للمنظمات الوطنية أن تساعد في تحديد أنواع الشهود المختلفة، مثل الشهود المباشرون والشهود الثانويون الذين شهدوا الحدث بشكل غير مباشر، وكذلك الأشخاص الذين استغلوا الناجين أو الضحايا.

ومن خلال التعاون مع المنظمات الوطنية، يمكن تحديد الأشخاص الأكثر دراية بالمعلومات الدقيقة وتحديد الأدوار التي يمكن أن يلعبها كل طرف. يمكن للمنظمات الوطنية أيضًا المساعدة في نقل الشهود إلى أماكن آمنة وحماية ممتلكاتهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمنظمات الوطنية أن تساعد في تحديد وتجنيد الشهود المحتملين، وجمع المعلومات منهم. من الواضح أن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع تحقيق أهدافها دون التعاون الوثيق مع المنظمات الوطنية.

مؤسسة وايامو هي منظمة مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز سيادة القانون، وتعزيز العدالة في قضايا الجرائم الدولية، وتعزيز الشفافية من خلال بناء القدرات القضائية، والوساطة، والصحافة المستنيرة.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
© Wayamo Foundation. All rights reserved.