بناء على الاحصاءات الرسمية، تمثل نسبة الشباب ٦٠ ٪ من التعداد السكاني الكلي للسودان، إذا أراد الشباب أن تكون الفترة الانتقالية ناجحة ينبغي أن يكون لهم دور كبير في رسم السياسات وتنفيذها والمشاركة في هياكل السلطة الانتقالية القادمة، بسبب نسبتهم الكبيرة والحيوية التي يتمتعون بها، حيث تجلى دورهم من خلال الطاقات الجبارة التي بذلوها قبل وبعد ثورة ديسمبر باعتبارهم القوى الحية والمتحركة التي لها مصلحة في التغيير بصورة فعلية.
فالمجموعات الشبابية لها مصلحة أكبر في بناء التوجهات الفكرية والرؤية العامة للحياة المستقبلية التي تتعارض مع طبيعة الحياة القائمة، خاصة الحياة السياسية والسلطة، ولذلك، فإن أي تحرك فعلي جاد نحو تغيير الواقع القائم يصبُ في مصلحة فئات الشباب الأكثر هموما في الحصول على مستقبل أفضل على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار، يري المراقبون بأهمية دور المجموعات الشبابية في العمل والسعي لتحقيق قضايا العدالة في المراحل الانتقالية، أي فترة ما بعد الحرب في السودان، كما أن عليها التنسيق مع كافة القطاعات الوطنية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، والإدارات الأهلية، لتحقيق هذه الأهداف.
يرى محمد علي – وهو ناشط مجتمعي -، إن الشباب السوداني ينتظره دور كبير ومعقدا للغاية بعد نهاية الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ويطالب محمد أن تجهز فئة الشباب نفسها لهذه الفترة، وأن تنسق مع كل الجهات القانونية والعدلية في سبيل تحقيق العدالة، وأن تشارك في رسم خارطة عدلية جديدة في تاريخ البلاد، لضمان عدم ضياع حقوق ضحايا الحروب. فباعتبار الشباب يمثل وقود هذه المرحلة المرتقبة، يجب ألا ننسى المبادرات التي تجمع الفئات السودانية من إدارات أهلية وسياسيين وقانونيين ومنظمات مجتمع مدنية للمشاركة والحوار فيما بينهم.
يضيف محمد، أن الفوائد من مشاركة الشباب في الفترة الانتقالية تعطيها نكهة من نوع خاص، باعتبار الشباب يشكلون الغالبية من سكان السودان، إضافة الي ذلك، فإن مستقبل وحاضر العدالة الانتقالية يقع على الشباب، وهم الوقود الذي يعمل على عدم تكرار الحروب مرة أخري في السودان من خلال دعم الانشطة المتعلقة بالمساءلة والمحاسبة. فبدلا من أن يكونوا وقودا للمشاركة في الحروب، ينبغي أن يكونوا دعاة سلام واستقرار لتحقيق العدالة في السودان.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الفئات الشبابية الاستفادة من الخبرات الدولية والإقليمية والوطنية، وخاصة المنظمات الحقوقية التي تعمل في مجال الرصد والتوثيق، من أجل المساعدة في إنجاح العدالة الانتقالية، وفي نفس الوقت يجب أن يعمل الشباب بشكل مستقل بعيداً عن هيمنة ونفوذ الأحزاب السياسية السودانية، التي تستغل دائماً حماسة الشباب لتحقيق أهداف حزبية فقط دون الاهتمام بقضايا الانتقال وتحقيق العدالة وما إلى ذلك.
يري المتابعون، بأن غالبًا ما يجلب الشباب السوداني وجهات نظر وطاقات جديدة للقضايا المجتمعية بما في ذلك العدالة الانتقالية في السودان، لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية، وإقامة مجتمع أكثر عدلاً من خلال تكثيف انشطتهم على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدمها كأدوات للمناصرة، بحيث يمكن للنشاط الرقمي أن يعمل على رفع أصوات المدافعين عن العدالة الانتقالية، وحشد الدعم، ورفع مستوى الوعي على الصعيدين المحلي والدولي.
إن مساهمة الشباب في بناء السلام والعمل علي معرفة تجاربهم الخاصة بالعنف والظلم، ودورهم التقليدي في القضاء علي التمييز والعنف الجنسي والعنف القائم علي النوع الاجتماعي، من أهم الالتزامات الأساسية الهادفة إلى تحقيق السلام والأمن وحقوق الانسان، إلى جانب تعزيز معرفتهم بالإنتاج المعرفي الذي يساعد على تحقيق الاستقرار، علاوة على حشد الموارد وتطوير الشراكة، وبناء قاعدة تمويل أكبر، وتجهيز آليات وبرامج تركز علي الشباب، أ برزها، الانخراط والمشاركة، والتمكين الاقتصادي عبر العمل اللائق، وتبني سياسات الأمم المتحدة حول بنا السلام والاستقرار، الذي يقود إلى إنجاز عدالة انتقالية ناجحة تساهم فيها هذه الفئة المستفيدة من استقرار البلاد.
يري القيادي في منظمات المجتمع المدني حسن عبد الكريم “بارانكوي”، إن فئة الشباب تريد سودان حديث بأُفق وأُسس جديدة، لذا يجب أن يكون لها دور على غرار التكوينات السياسية والعسكرية والمدنية التي لها صوت في المشهد السوداني العام. وفي هذا السياق يشير عبد الكريم إلى أن الشباب يتم استخدامهم كمجرد وقود، وليس لهم الحق في صناعة القرارات، وتنفيذها، أو تحديد الوجهة المستقبلية للدولة كما إنهم بعيدون عن صناعة القرار، وليس لهم دور بحجم تضحياتهم والأحلام والطموحات التي يتطلعون إليها للتغيير، ما يعتبر واحدة من معضلات الفترات الانتقالية السابقة، لكن هذا لا يعني أن المستقبل قاتم، حيث انتظم حراك شبابي كبير في الداخل والخارج للمساهمة في وقف عد الحرب.
يؤكد عبد الكريم، أن نجاح الفترة الانتقالية ضعيف وفاقد للمعنى دون دور الشباب، إذ تمثل قضية العدالة والمساءلة من أكبر التحديات التي تواجه الشباب. فبالنظر إلى المعادلة السياسية سواء كان الجيش أو الدعم السريع متورطين في قضايا انتهاكات حقوق الانسان، ومن الصعوبة بمكان أن يكونا طرفي الصراع خارج المعادلة السياسية القادمة، وبالتالي فإن مسألة الإرادة للقوي السياسية التي كانت تقدم القضايا السياسية بدلا من قضايا العدالة، هي من أهم التحديات. إن الأهداف العامة للعدالة، يجب أن تبدأ بمعالجة الجُرح وانتهاكات الماضي، التي اُرتكبت على أساس إثني، ومن الصعوبة إنجاز المرحلة الانتقالية من دون وقف التغييرات الديمغرافية والمظالم، وعودة الحقوق الي أصحابها.
في الواقع لقد تأثَر العديد من الشباب بشكل مباشر بالصراعات في السودان، ما يجعل إشراكهم في جهود بناء السلام وعمليات المصالحة بالغ الأهمية لتضميد جراح الماضي وتعزيز التماسك الاجتماعي. يمكن للمبادرات التي يقودها الشباب والتي تركز على الحوار والتسامح والتفاهم، أن تساهم في بناء مجتمع أكثر شمولا وسلاما، وأن تسهل الحوار المجتمعي والمشاركة في عمليات العدالة الانتقالية، والانخراط بشكل مباشر مع المجتمعات المتضررة. يمكن للشباب أيضا المساعدة في ضمان استجابة آليات العدالة الانتقالية لاحتياجات واهتمامات الأشخاص الأكثر تضرراً من الانتهاكات.
تطرق مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى ورقة لمركز “كارتر” عن الشباب في السودان والمرحلة الانتقالية في أغسطس ٢٠٢١، قائلا ان ٧٤٪ من الشباب متفائلون بمستقبل السودان، وحريصون على المشاركة في قرارات الحكومة الانتقالية، فيما أبدوا وقتها رضاهم عن أداء الحكومة الانتقالية، وأعربوا عن رغبتهم في لعب دور أكثر أهمية في عملية صنع القرار الحكومي، والتعامل بشكل مباشر مع المسؤولين الحكوميين، مطالبين بشكل خاص الوصول إلى المعلومات حول الفترة الانتقالية ومفاوضات السلام، بالإضافة إلى التدريب على الاتصال العام ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز جهودهم في مجال العدالة الانتقالية.
ومن أبرز ما جاء في الورقة هو: أن جميع المشاركين تقريبًا يدعمون النهوض بالعدالة الانتقالية، وفي حين لا تتمتع أي هيئة بثقة عالية بين الشباب، فقد تم الاستشهاد بالمجتمع المدني واللجان المستقلة باعتبارهما المؤسسات الأكثر ثقة في تنفيذ تدابير العدالة الانتقالية، ودعم أصوات الشباب، وتعزيز قدراتهم كبناة سلام محليين ومروجين للمساحات المدنية ضمن عملية انتقال سلمية وديمقراطية.
إن إحدى الآليات الهمة هي، اشراك القواعد الشبابية في صناعة القرار السياسي، وتنظيمها فيما بينها للضغط على السلطة السياسية لتحقيق أهداف العدالة الغائبة. فالعدالة الانتقالية باعتبارها آليات عدالة شعبية قد تكون مرضية للمجموعات القاعدية أكثر من العدالة القانونية الرسمية للدولة، بحيث توجد الآن حالة فقدان الثقة ما بين مؤسسة الدولة، ولإعادة هذه الثقة، يجب الاستعانة بالمحاكم الشعبية لنجاح العدالة الانتقالية.
الدور الذي ينتظر هذه الفئة (الشباب) كبير جدا، ويساهم في نقل السودان من مرحلة الحرب إلى بناء السلام والاستقرار لتحقيق أهداف الفترة الانتقالية لضحايا الحروب في البلاد، ويدرك الشباب أن مشاركتهم في أجهزة الدولة الرسمية والاستفادة من ورش منظمات المجتمع المدني والاقليمي في سبيل إنجاز التحول الديمقراطي والسلام ومحاسبة كل من تورط في انتهاكات حقوق الانسان في السودان، ضروري ومحوري وسوف يشكل مستقبل السودان.
رغم تعقيدات المشهد السياسي والتهميش اللذان يواجهان الشباب، إلا أن جهودهم سيكون لها آثار إيجابية في المشهد السياسي المستقبلي، كما يجب على الشباب العمل مع الجهات الحكومية حتى يكتسبوا الخبرة في إدارة المرحلة التي يرغبون بالمشاركة والتأثير فيها، لأن عملهم بطريقة منعزلة لن يكون مفيدًا بغض النظر عن عددهم.