مركز العدالة الإلكتروني الخاص بالسودان: أخبار وموارد حول النزاع وأدوات لمعالجة إنتهاكات حقوق الإنسان

خيار الولاية القضائية العالمية في السودان: الفرص والتحديات

حسن اسحق | سودان بوست | ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣

تطرح مسألة الولاية القضائية العالمية، والسؤال المطروح، هل تعتبر حلا شافيا للإفلات من العقاب في السودان؟، تعتبر فكرة الإفلات من العقاب هي أن الأفراد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم يمكن أن يفلتوا من العدالة، وهذا يقوض المساءلة والعدالة وحقوق الإنسان، وهذه قضية كبيرة بالنسبة للسودانيين الذين يؤمنون بتحقيق العدالة والمساءلة في بلادهم.

الولاية القضائية العالمية هي المبدأ الذي يمكن للدول محاكمة الأفراد بسبب ارتكابهم لأنواع معينة من الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجريمة، وعادة يجب أن تكون الجريمة مقبولة عالميًا باعتبارها تتجاوز أي حدود وطنية، مثل الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.

الولاية القضائية العالمية ما تزال مفهوما جديدا إلى حد ما ولكنها يكتسب الاهتمام، وقد تم استخدامها في أماكن مثل بلجيكا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وهولندا، أما في دول شرق أفريقيا تتمتع دول مثل كينيا، ورواندا، وتنزانيا بأطر قانونية يمكن استخدامها لتطبيق الولاية القضائية العالمية على الجرائم المرتكبة في السودان.

إحدى القضايا البارزة في مجال الولاية القضائية العالمية في السودان هي قضية لوندين. اتُهمت شركة النفط السويدية لوندين إنيرجي بارتكاب جرائم حرب في السودان خلال الحرب الأهلية، ومازالت القضية مستمرة.

يرى المهتمون بنجاح الولاية القضائية العالمية في السودان، انه يجب إجراء تحقيق مناسب لجمع الأدلة وتحديد المسؤولين. وتقوم المحكمة الجنائية الدولية أو بعثات تقصي الحقائق الدولية المستقلة بذلك، وبعد ذلك يمكن تقديم المعلومات إلى البلدان التي تتمتع بالأهلية القانونية للملاحقة القضائية.

ومع ذلك، هناك العديد من التحديات؛ الإرادة السياسية، والمخاوف الدبلوماسية، والمخاوف الاقتصادية، والخوف من توتر العلاقات الدولية، وهناك أيضًا العديد من القضايا القانونية التي يجب النظر فيها؛ المحاكمات العادلة، وجمع الأدلة المقبولة، وانعدام التعاون بين الدول، وحقيقة عدم وجود قاعدة دولية واضحة تجبر الدول على تطبيق الولاية القضائية العالمية.

والتحدي الآخر هو عدم تعاون السلطات السودانية التي أوقفت دائمًا الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي الجرائم المرتكبة خلال أزمة دارفور وما إلى ذلك، وحتى مع كل التحديات، يمكنها البدء بعملية المساءلة عن الجرائم المرتكبة في السودان، من خلال العمل على دفع دول معينة كي تمارس ولايتها القضائية والتعاون مع الهيئات الدولية، لتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في السودان.

التوقيع على ميثاق روما

يوضح المحامي والمدافع عن حقوق الانسان عثمان صالح أن مبدأ الولاية القضائية العالمية هو مبدأ حديث في القانون الدولي، حيث نشأ لأن مسألة تحقيق العدالة في العالم أصبحت تواجه الكثير من التحديات، ولا تزال الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، منتشرة في العديد من دول العالم، وفي القانون الدولي يوجد ما يسمى بالمحاكم الخاصة، أنشأت محاكم الجرائم في يوغسلافيا السابقة،  ورواندا، بغرض محاكمة مسؤولين بارتكاب جرائم محددة في مناطق محددة في زمن محدد، وبعد انتهاء ولايتها، تنفض المحكمة.

قال عثمان في الوقت الحالي النزاعات أصبحت كثيرة، وأصبح إنشاء محاكم خاصة مسألة صعبة، لذا لجأ المجتمع الدولي إلى محكمة دائمة في المحكمة الجنائية الدولية، وهي تباشر عملها، في ذات الوقت، تواجهها العديد من التحديات، في بعض الاحيان، لا تكون مختصة بالنظر لأي نزاع، إلا إذا كان الأطراف موقعين علي ميثاق روما، او اذا  تم احالة النزاع من مجلس الأمن الدولي، رغم انه لا يستطيع إحالة اي نزاع للمحكمة الجنائية الدولية، في حال اعتراض عضو من المجلس دائمي العضوية باستخدام حق الفيتو، وأبرز مثال علي ذلك، ما يدور في سوريا، التي ارتكبت فيها انتهاكات فظيعة. ومن هذه النقطة نشأ مبدأ الولاية القضائية العالمية.

مؤكدا  أن أي جريمة ارتكبت بموجب اتفاقية جنيف، تعتبر من الجرائم الجسيمة والخطيرة، في ارتكبت الجرائم، ولا توجد محاكمات، هذا بدوره يؤدي إلى الإفلات من العقاب، كي يتم معالجة فجوة الإفلات من العقاب، منها نشأ مبدأ الولاية القضائية العالمية التي تتحدث عن ملاحقات المسؤولين عن الجرائم الجسيمة، والخطيرة في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن جنسية مرتكب هذه الجرائم، أو جنسية الضحية او المكان الذي وقعت فيه الجريمة، وهذا يجعل أي دولة يكون لها ولاية قضائية عالمية كي تحاكم في أراضيها جرائم لم ترتكب في أراضيها، بل هي جرائم تخالف القانون الدولي الإنساني، يمكن أن تلاحقهم وتجري التحقيقات اللازمة.

إن مبدأ الولاية القضائية العالمية نشأ بموجب اتفاقية جنيف ١٩٤٩، وتسمح للدولة بالبحث عن مرتكبي الجرائم الفظيعة والجسيمة والخطيرة بمخالفة القانون الدولي الإنساني، وتحقق معهم، ثم تحاكمهم، وهي ولاية للدولة وتجعلها تلتزم بمحاكمة من هم خارج دولتها، تكون مختصة بموجب هذه الاتفاقية، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام ١٩٨٤ تعطي الدول الحق في ملاحقة الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم، وتحقق معهم او تحاكمهم.

يرى عثمان أن الولاية القضائية العالمية الآن تواجه بعض التحديات خاصة من الدول التي ليس لديها رغبة أن يرى هذا المبدأ النور، ويسود العالم، بل هناك حجج في مسألة السيادة الوطنية، والاتجاه السائد الآن أن الولاية القضائية يجب أن تكون واحدة من المبادئ الدولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم الجسيمة، والخطيرة، ومخالفي القانون الدولي الإنساني في اي مكان، علي الدولة أن تضع الضمانات أن يكون لها سلطة المحاكمة.

يطالب عثمان الدول أن تضمن في قوانينها الوطنية أن الجرائم الجسيمة والخطيرة والقانون الدولي الإنساني لا تسقط بالتقادم، وعلى هذا الأساس تكون المحاكم مفتوحة متى ما ألقى القبض على المشتبه بهم، يمكن محاكمتهم في الدولة المحددة. أن هذا المبدأ يجب ان يفرضه اصحاب المصلحة والمهتمين، وتضع الضمانات كي لا يتم استغلال هذا المبدأ لأي غرض آخر، سوى تحقيق العدالة حيث يجب إبعاد كل التأثيرات والدوافع التي لا تهدف إلى تحقيق العدالة.

مشيرا الى الوضع السودان متازم، خاصة الجرائم التي ارتكبت ما بعد ١٥ أبريل وحتى الآن، هي جرائم تندرج تحت نصوص اتفاقية جنيف الأربع من الطرفين المتقاتلين، لذا يجب أن تتم محاكمات، مؤكدا ان هذا لن يحدث في السودان، الآن لا يوجد قضاء محايد، ومستقل داخل السودان.

بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية وتعقيداتها العديدة لا يمكن اللجوء إليها مباشرة، إلى بإحالة من مجلس الأمن التي بها موازنات ومصالح يمكن تعيق مسألة اللجوء إلى المحكمة، بل مسألة الولاية القضائية العالمية يمكن أن تكون حلا للسودانيين لكي يلجؤوا الي الدول التي تقبل الولاية القضائية، كي يقدموا شكوى. لا يوجد دولة وحدها تتصدى لمسألة الانتهاكات، ما لم يكن هناك ادعاء أو شكوى من أصحاب المصلحة كي تتدخل، كما حدث مع قضية الروهينغا حيث قدم الضحايا مطالب لمحاكمة الجناة في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية.

محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية

بينما قال المحامي والباحث القانوني عبد الباسط الحاج عن الولاية القضائية العالمية ان هناك دول تمارس بعض الاختصاص، وحتى وإن لم يكن الجاني يحمل جنسيتها، وحتى وان لم تكن الجرائم ارتكبت داخل أراضيها حيث ان قوانينها الداخلية لها صلاحيات قضائية في محاكمة الجناة المتواجدين في أراضيها الذين ارتكبوا جرائم في دولهم.

اضاف ان هذا يعني أن الولاية القضائية ان تحاكم الجناة الذين يفرون الي دول اخري، إذا كانت هذه الدول لها ذلك الاختصاص القضائي، في الجرائم الدولية الخطيرة، مثل جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والعدوان والقرصنة، وغسيل الأموال، والتي تعتبر من الجرائم الدولية ويمكن فتح تحقيقات حول تلك الجرائم، ومساءلة الجناة ومحاسبتهم.

واكد ان هناك جرائم ارتكبت في السودان ويمكن فتح تحقيق في دول أخرى، مثل جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي التي وقعت في إقليم دارفور، والجرائم الانسانية الاخرى التي وقعت في العاصمة السودانية الخرطوم، ويمكن للولاية القضائية ان تساهم في عدم الإفلات من العقاب.

مشيرا الى ان من فوائد استخدام الولاية القضائية العالمية المساهمة في تحقيق العدالة، إذا كانت هناك حواجز تحول دون ذلك داخليا، وفي حالة هروب الجناة خارج بلدانهم، أو انهيار نظام القضاء الوطني، وعدم الإمكانية والقدرة.

أوضح عبد الباسط ان هذا الامر يساعد في تقليص فرص هروب الجناة، وان ضحايا الحروب في السودان يمكنهم الاستفادة من الولاية القضائية، ومعرفة الاختصاص القضائي لدول الجوار، واغلب الدول التي يتحرك فيها الجناة، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في تلك الدول يمكن فتح تحقيق قضائي فيها ضد الجناة، في حال توفر معلومات عن وجودهم فيها.

ارتكاب الجرائم أثناء النزاعات

حسب موقع القاموس العملي للقانون الإنساني، بعد النزاعات التي دارت في رواندا ويوغسلافيا السابقة، وفي غياب محكمة جنائية دولية دائمة، اختار المجتمع الدولي تأسيس محكمتين جنائيتين دوليتين خاصتين لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية في هاتين الحالتين. وقد تأسّست المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في ١٩٩٣، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في ١٩٩٤ بهدف التحقق من هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبي الجرائم الفظيعة التي ارتكبت أثناء تلك النزاعات.

وقد أنشأ مجلس الأمن هاتين المحكمتين من خلال قرارات اعتمدها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتكون مثل هذه القرارات ملزمة لجميع الدول، وقد تمّ تأسيس هاتين المحكمتين بهذه الطريقة بغرض فرض سلطتهما القضائية بصورة مباشرة على الدول كافة.

مؤسسة وايامو هي منظمة مستقلة غير ربحية تأسست لتعزيز سيادة القانون، وتعزيز العدالة في قضايا الجرائم الدولية، وتعزيز الشفافية من خلال بناء القدرات القضائية، والوساطة، والصحافة المستنيرة.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
نحن ممتنون للغاية للدعم المالي السخي المقدم من وزارتي خارجية هولندا وألمانيا. نحن نقدر حقًا الثقة التي أظهرها مانحونا في عمل وايامو في ومن أجل السودان.
© Wayamo Foundation. All rights reserved.