تقرير: جبراكة نيوز
محمد أحمد الفاضل
في أغسطس الماضي، أصدر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قراراً بتشكيل قوة خاصة لحماية المدنيين. جاء هذا القرار في وقت تواجه فيه قواته اتهامات متزايدة بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين. فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل يُعد هذا القرار خطوة جادة نحو وقف هذه الانتهاكات، أم أنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تحسين صورة قوات الدعم السريع وتجنب المسؤولية القانونية في المستقبل، خاصة إذا لجأ الضحايا إلى مقاضاة هذه القوات؟
قوة حماية المدنيين التابعة للدعم السريع: حقيقة أم خيال؟
منذ اندلاع الحرب في السودان، تكبد آلاف المدنيين في مناطق القتال خسائر فادحة، وامتدت آثار الحرب إلى المدنيين في ولايات لم تكن في البداية جزءاً من الصراع، مما أدى إلى خلق حالة من الذعر والخوف.
وبحسب العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية، تُتهم الأطراف المتنازعة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، غير أن النصيب الأكبر من هذه الاتهامات موجه نحو قوات الدعم السريع.
ويؤكد شهود عيان من ولاية الجزيرة، إحدى الولايات التي طالتها الحرب مع توسع رقعتها، أن القرار الذي أصدره قائد قوات الدعم السريع لم يُحدث فارقاً يُذكر. وأشاروا إلى أن مهمة حماية المدنيين تقوم بها الشرطة العسكرية التابعة للدعم السريع، التي قالوا إنها ترتكب بدورها انتهاكات بحق المدنيين، مضيفين أن الحماية التي تقدمها هي “محدودة” وتتطلب دفع مبالغ مالية على شكل “أتاوات”.
ويقول شاهد من قرية تيراب غرب ولاية الجزيرة لـ “جبراكة نيوز” إن الشرطة العسكرية أطلقت النار على الشاب الطيب أحمد عمر في أغسطس الماضي بعد تأخره في دفع مبلغ مالي فرضته عليه، مما أدى إلى وفاته لاحقاً متأثراً بجراحه.
وأضاف الشاهد، الذي فضل عدم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته، أن القوة العسكرية ذاتها منعت أهالي القتيل من إسعافه في وقت مبكر، مما قلل من فرص نجاته.
وأوضح الشاهد أن طلب المال من تلك القوات هو ممارسة شائعة في معظم قرى غرب وجنوب الجزيرة، مشيراً إلى أن المبالغ تُفرض على معظم الأسر مقابل حماية وصفها بالمحدودة، إذ تؤدي القوات مهام الحماية أثناء النهار فقط، بينما يتعرض المواطنون لهجمات اللصوص عند حلول الليل.
وأكد عدد من مواطني قرى في ولاية الجزيرة لـ “جبراكة نيوز” تعرضهم لهذه الانتهاكات المستمرة، مفضلين عدم الكشف عن هوياتهم خوفاً من انتقام أفراد الدعم السريع.
وتنفيذاً لاتفاق سياسي وقعته قوات الدعم السريع مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يناير الماضي، بدأت القوات في مارس بتشكيل إدارات وسلطات مدنية في مناطق سيطرتها، ابتداءً من ولاية الجزيرة، في محاولة لتخفيف آثار الصراع على المدنيين وتسيير الحياة اليومية وفقاً للإعلان المشترك مع تحالف “تقدم”.
ورغم هذا الاتفاق، لم تتوقف الانتهاكات بحق المدنيين. فقد أصدرت لجان المقاومة في عدة مناطق بولاية الجزيرة، خلال الفترة من مارس وحتى الآن، بيانات تؤكد فيها وقوع انتهاكات من قبل قوات الدعم السريع، بما في ذلك القتل، النهب، وفرض الضرائب والأتاوات.
وفي سياق رصد وتوثيق الانتهاكات، كشفت شبكة نساء القرن الأفريقي “SIHA” عن ارتكاب قوات الدعم السريع انتهاكات جنسية واسعة في ولاية الجزيرة، وسط السودان، حيث وثقت نحو 250 حالة اعتداء جنسي استهدفت نساءً وفتياتٍ، بما في ذلك طفلات. كما سجلت الشبكة 25 حالة حمل لطفلات جرّاء هذه الانتهاكات.
وفي مؤتمر صحفي عبر تقنية الفيديو في يوليو من هذا العام، أوضحت الشبكة أن الأرقام الموثقة قد تكون أقل من الأرقام الفعلية بسبب صعوبات التوثيق وانقطاع الاتصالات في الولاية، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ ديسمبر الماضي.
ولفتت المديرة الإقليمية للشبكة، هالة الكارب، أن هذه الانتهاكات تُستخدم كأداة حرب، وفق وصفها، مؤكدة أيضاً تورط أفراد من الجيش السوداني في انتهاكات أخرى.
كما كشفت الشبكة عن حوادث اغتصاب جماعي في مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة، موضحة أن توثيق هذه الجرائم كان أكثر صعوبة نتيجة الثقافة المحافظة في المنطقة. وبيّنت أن العنف الجنسي امتد إلى ولاية سنار، مما أدى إلى تعطيل الزراعة وتفاقم المجاعة.
ودعت الشبكة إلى تشكيل محكمة دولية خاصة لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، على غرار المحاكم التي أُنشئت لمحاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا في تسعينيات القرن الماضي.
واتهمت لجان مقاومة مدينة رفاعة بشرق الجزيرة، قوات الدعم السريع بالاعتداء على منازل المواطنين بغرض سرقتها، موضحة أن تلك القوات تتذرع بأنها تبحث عن أسلحة يتم توزيعها على المواطنين من قبل أجهزة أمنية تدعم الجيش.
وظلت قوات الدعم السريع تنفي عن نفسها تهم استهداف المدنيين، كما استمر عدد من قادتها في نسب التهم إلى من تصفهم بالمتفلتين، وأحياناً تلصقها بجهات تابعة للقوات المسلحة السودانية والأجهزة الأمنية الرسمية.
وفي ذات السياق، يبدي المحلل السياسي صلاح الدومة ميلاً لهذه السردية التي تنفي تورط الدعم السريع في الانتهاكات، وينسبها إلى الأجهزة الأمنية ذاتها التي تتقاتل معها قوات الدعم السريع.
ويقول الدومة لـ “جُبراكة نيوز” إن الذين يقومون بالانتهاكات هم أفراد يرتدون زي الدعم السريع لكنهم لا ينتمون إليها. وأوضح: “جهات تابعة لجهاز الأمن قامت قبل الحرب بتجنيد نحو 10 آلاف شخص من القبائل التي تمثل حاضنة للدعم السريع، وأطلقتهم لارتكاب انتهاكات بغرض تشويه سمعة قوات الدعم السريع”. واستدرك قائلاً: “هذا لا يعني دفاعاً عن الدعم السريع، فالعديد من أفرادها تورطوا في ارتكاب انتهاكات بحق المواطنين”.
وأشار الدومة إلى أن الانتهاكات تُرتكب من طرفي القتال بالتزامن، ملمحاً إلى أن عجز قوات الدعم السريع عن السيطرة على الانتهاكات التي يرتكبها منسوبوها يعود إلى انشغالها بالمعركة.
دوافع سياسية وقانونية
صدر قرار قوات الدعم السريع بتشكيل قوة خاصة لحماية المدنيين وسط تزايد الانتهاكات والانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية. وجاء القرار بعد توصية من لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، التي عقدت لقاءات عديدة مع ضحايا القتال، وأوصت اللجنة بضرورة تشكيل قوة لحماية المدنيين. ويتزامن القرار مع تصاعد الجهود القانونية التي أطلقتها الحكومة الحالية، حيث شكلت لجاناً للتحقيق في الانتهاكات المنسوبة إلى قوات الدعم السريع.
يقول المحامي المتخصص في القضايا الإنسانية أمام المحاكم الدولية، مايكل ديلاجرانج، لـ”جُبراكة نيوز” إن إعلان قوات الدعم السريع عن تشكيل قوة لحماية المدنيين قد يُعتبر وسيلة دفاع محتملة لقادتها في حال تعرضهم للمحاكمة أمام المحاكم الدولية مستقبلاً.
وعلى الرغم من أن ميكيل يرى أن هذه الخطوة قد تشكل دفاعاً قانونياً، إلا أنه يعود ليؤكد أن معرفة قادة القوات بالانتهاكات التي يرتكبها أفرادهم قد تُفقد هذا الدفاع قوته. كما يشير إلى أن مجرد تشكيل هذه القوات لن يكون كافياً كدفاع قانوني، نظراً لعدم تشكيلها بطريقة فعالة تُمكّنها من القيام بدورها الأساسي في حماية المدنيين.
ومن جانبه، دافع مستشار قائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، عن القوات، مشيراً إلى التزامها باتفاقيات دولية تهدف إلى حماية المدنيين، مثل اتفاقية جنيف لحماية المدنيين أثناء الحرب، التي أكد أن قواته قد وقّعت عليها.
وأوضح مخير في حديثه لـ “جبراكة نيوز” أن الدائرة القانونية التابعة لقوات الدعم السريع تتولى تلقي شكاوى المواطنين المتعلقة بالانتهاكات التي تُرتكب بحقهم.
بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن السودان، أسفرت المعارك عن مقتل أكثر من 18ألف شخص وإصابة 33 ألفاً آخرين. كما رصدت اللجنة ممارسات من الطرفين تصنّف كانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وبناءً على التقرير الذي عُرض أمام اجتماع الأمم المتحدة في سبتمبر، أوصت اللجنة بإرسال قوات لحماية المدنيين في السودان، حيث تدور أعمال القتال في أكثر من تسع ولايات، بينما تعيش الولايات الأخرى تحت تهديد أمني وتوترات بسبب احتمال امتداد القتال إليها.
وفي إحدى جولاته العديدة، قال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرلليو، خلال لقاء مع نشطاء من المجتمع المدني في العاصمة الكينية نيروبي في سبتمبر هذا العام، إن مجهودات إرسال قوات دولية لحماية المدنيين في السودان تواجه عقبات. لكنه أشار إلى مساعٍ لإرسال قوات إقليمية أفريقية إلى السودان.
وتأتي هذه التوصيات الدولية في ظل تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين. ووفقاً لتوثيقات عديدة، لم تقتصر هذه الانتهاكات على قوات الدعم السريع، بل ارتكبتها أيضاً جهات تابعة للحكومة الوطنية برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، بما في ذلك الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو السوداني على مناطق ومدن في عدة ولايات.