حرب المياه
عندما أدار القائد بالدعم السريع على رزق الله السافنا البلف الرئيسي لخزان قولو للمياه الذي يْعد المصدر الوحيد للمياه لسكان مدينة الفاشر المحاصرة وسط هتافات جنوده بنشوة النصر، كان بقية رفاقه في إطار بحثهم عن الديمقراطية ينهبون المحاصيل القليلة والمخزون الاستراتيجي من الحبوب في ولاية الجزيرة، ليكتمل مشهد حصار المواطنين وقتلهم بالمدافع والجوع، حيث شبح المجاعة بدأ يهدد الملايين من السكان في مختلف بقاع السودان، ومع ارتفاع أسعار السلع وندرتها توقفت العديد من مطابخ “التكايا” في مناطق متعددة من العاصمة “الخرطوم والولايات”.
وفيما تعلقت أنظار الملايين بالمفاوضات التي أجرتها الأمم المتحدة مع طرفي النزاع خاصة الملف الإنساني وكيفية إدخال المساعدات، لم يهتم قادة الجيش بالبطون الجائعة للأطفال الواقفين في طوابير انتظار الغذاء، وتمترسوا وراء شروطهم وسط دعوات من الأمين العام للأمم المتحدة لطرفي النزاع بالتوقف عن استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح ضد بعضهما البعض.
انتظار الطعام
يقول مصطفى الزين الذي يدير إحدى مطابخ “التكايا” التي تقدم الطعام مجانا لمن تبقى من المواطنين في منطقة العشرة بالخرطوم، إن الوضع أصبح حرجا نسبة لنقص الغذاء، وبدت تظهر حالات من سوء التغذية خاصة وسط الأطفال، وأضاف لـ(السودانية)، أن المواد الغذائية أصبحت في تناقص شديد بجانب ارتفاع أسعارها نسبة للهبوط المدوي للجنيه السوداني مقابل الدولار، وأنهم قد يتوقفون عن تقديم الطعام إذا استمر الوضع بهذه الطريقة.
فيما يعيش سكان مدينة الفاشر أوضاعا مأساوية نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدنية لعدة أشهر، يقول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان محمد نكروما، إن الوضع الإنساني بالفاشر وكمعظم المدن السودانية التي تعرضت للحرب، وعانت ويلات الحرب، لكن ظلت مدينة الفاشر، ظلت لأكثر من خمسة شهور تعاني حصاراً خاصة في ظل الاشتباكات المستمرة التي تستهدف المناطق السكنية، ومراكز الإيواء، حيث لم تسلم المستشفيات من عمليات القصف، بجانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ما فاقم الأزمة وجعلت المنظمات الدولية تتوقف عن العمليات الإنسانية داخل المدنية.
يضيق نكروما لـ(السودانية)، أن المواطنين يعتمدون فقط على المبادرات الشعبية من المنظمات المحلية لتقديم المساعدة على مراكز الإيواء، ولكن ليس لديها إمكانيات بحجم الأزمة، خاصة وأن هنالك أزمة نزوح كبيرة من الأحياء التي تشهد اشتباكات بجانب انعدام الخدمات الصحية. وأشار إلى أن الحصار أثر على دخول المواد الغذائية سوى كانت تجارية أو مساعدات إنسانية، ويتطلب الاستعجال في إيجاد حلول عاجلة لدخول هذه المواد وحماية المدنيين، مشيدا المجتمع الدولي والمحلي الضغط على هذا الجانب، وحتى في حالة الحرب هنالك التزامات تقع على طرفي النزاع مثل، احترام القانون الدولي الإنساني الذي يحرم منع المساعدات الغذائية من المدنيين.
ففي الوقت الذي قالت لجنة خبراء الأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة، أن ظروف الحرب والقيود المفروضة على توصيل المساعدات الغذائية تسببت في وقوع مجاعة في معسكر “زمزم” للنازحين في شمال دارفور، وأن كافة معايير إعلان المجاعة اكتملت وسط النازحين الذين يصل عددهم لأكثر من ٥٠٠ ألف شخص، نفت مفوضية العون الإنساني وجود مجاعة في معسكر زمزم للنازحين، وقالت في بيان لها “إن تقرير أنظمة الإنذار المبكر عن وجود مجاعة لا يمت للواقع بصلة، وأشار البيان إلى أن نقص الغذاء الذي تعانيه بعض المعسكرات هي نتيجة لحصار الدعم السريع لمدينة الفاشر واحتجازها لشحنات تحمل الغذاء على مشارف المدينة.
مخاطر صحية وبيئية
يقول الدكتور محمد يعقوب، إن استخدام الموارد الطبيعية مثل المياه كسلاح خلال الحروب أمر يضر بالمدنيين، مضيفا أنه لاحظ الحرب الحالية استهداف مصادر المياه والطاقة الشمسية التي تشغل الآبار؛ مما تسبب بأضرار صحية للمواطنين، وأضاف لـ(السودانية) هنالك تخريب متعمد خلال هذه الحرب لمصادر المياه بهدف تهجير المواطنين من المدن، بجانب ذلك سقطت العديد من القذائف في آبار مياه الشرب وألواح الطاقة الشمسية التي تعمل على تشغيل آبار المياه، والتخريب المتعمدة لشبكات الطاقة، بجانب المخلفات الحربية التي ستتحلل بمرور الزمن وتسبب أضرارا بيئية خطيرة في المستقبل. وزاد يعقوب لـ(السودانية)، إن انتشار الجثث المحتملة للبشر والحيوانات قد تسبب تلوثا بايلوجيا، وقد تؤدي إلى انتشار الأمراض، مثل التيفويد، والإسهالات المائية المختلفة، وصولا لمرض الكوليرا، كما إن انهار النظام الصحي سبب إلى توقف بروتكولات الحماية والتطعيم ضد الأمراض خاصة الكوليرا.
وأشار يعقوب أيضا، إلى أن دخول فصل الخريف مع كمية الجثث والمخلفات المنتشرة خاصة في الخرطوم ستكون مقدمة لمرض الكوليرا، بجانب تزايد مرض الملاريا الناتج من المياه الراكضة إضافة إلى توالد الذباب أيضا من مصادر المياه الملوثة. وحذر يعقوب من وقوع كارثة بيئية في ولاية شمال دارفور وشمال كردفان؛ لأنها تعتمد على المياه الأمطار، وفي حال وجود جثث متحللة سوف تعمل على تلوث المياه، وفي ظل الحصار العسكري لتلك المناطق جعل إيصال الأدوية وأدوات تنقية المياه أمراً بالغ الصعوبة.
إبادة جماعية
المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان شوقي يعقوب، يقول “إن استهداف الأعيان المدنية وحرمان السكان المدنيين من الخدمات العامة، سواء كانت مياه أو غذاء، وتدمير مصادرها المياه تعتبر جريمة إبادة جماعية متى ما توافرت عناصر الجريمة المتمثلة في القصد، ونمطية الفعل وتعمّد إهلاك مجموعة إثنية معينة” مضيفا أنه متى ما توفرت تلك العناصر مجتمعة، تعتبر من قبل الجرائم ضد الإنسانية، وهي الجرائم المشار إليها في الميثاق “روما” فضلا عن أنها جرائم محرمة وفق العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي صادق عليها ووقع عليها السودان في ١٩٨٦؛ وبالتالي، هي تلزم الأعضاء في الحفاظ على حياة المواطنين، وتوفير الصحة والمياه؛ وأن أي خرق للحقوق المنصوص عليها في هذا العهد يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي. وأضاف يعقوب لـ(سودانية) أن اتفاقيات جنيف الأربعة تحرم الاعتداء على الأعيان المدنية، ويعتبر الهجوم عليها جريمة حرب، كما إن القانون الجنائي السوداني يحرم أيضا هذا الفعل، ويقع في باب الجرائم الكبرى؛ وبالتالي فإن قطع المياه واستهداف الأعيان المدنية تعتبر جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية.
فيما يقول القانوني منعم آدم، وفق للقانون الإنساني الدولي، هنالك أشياء محمية من دور العبادة والمناطق الأثرية والأعيان المدنية، ومن ضمنها مصادر المياه، وتعتبر من جرائم الحرب وإنهاك صارخاً وجريمة ضد الإنسانية. وأضاف آدم لـ(السودانية) إن استخدام الألغام الأرضية والأسلحة الكيمائية ممنوع من قبل القانون الدولي؛ لأنها تؤثر على حياة المدنيين، وتحظر المادتان ٥٤ من البرتكول الأول الإضافي و ١٤ من البرتكول الثاني على تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وأشار إلى أن النصوص التي تحمي الموارد المائية وفق المادة ٥٦ من البرتوكول الإضافي الأول والمادة ١٥من البرتكول الثاني، تحظر استهداف بعض المنشآت أثناء النزاعات، مثل السدود والجسور، والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، كما يحرم القانون الدولي حتى مهاجمة المنشآت العسكرية التي تقع بالقرب من تلك المنشآت الحيوية مثل السدود