اعتقلت قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور في أكتوبر 2023، عبد الله أ. م وهو أحد أعيان المدينة، بذريعة عدم إعلان ولاءه لها والتعاون مع الجيش السوداني.
مكث عبد الله في معتقل قوات الدعم السريع الواقع في حي المطار شرقي المدينة، ثلاث أسابيع قبل أن يُفرج عنه بضمان مشاركة طفله ذو الـ 15 عامًا، في القتال إلى جانب القوات في العاصمة الخرطوم مستنفرًا.
تختلف قصص الأطفال الذين استقطبتهم أطراف النزاع للقتال إلى جانبها، لكن النتيجة واحدة، وهي ضياع الطفولة والمستقبل معًا، حيث أسهم تعطل الدراسة في معظم بقاع البلاد في تنامي أعداد الأطفال المحاربين.
ورصدت “دارفور24″، عددًا من حالات تجنيد الأطفال من جميع أطراف النزاع الرئيسية وتدريبهم لحمل السلاح والزج بهم في الصفوف الأمامية، رغم قلة خبرتهم القتالية وضعف تدريبهم مما يجعلهم هدفًا سهلًا ليقتلوا.
قال عبدالله، لـ “دارفور24″، إن ابنه الذي يبلغ من العمر 15 عامًا، جرى استيعابه فورا وتدريبه في معسكر بمنزل قائد الفرقة السادسة عشر مُشاة سابقا المجاور لوادي برلي، لأكثر من شهرين وتعرض المقر للقصف الجوي بعد تفويج ابنه إلى الخرطوم بأيام.
وذكر أن إبنه يتواجد في محور الخرطوم منذ يناير الماضي، كما أبلغهم باقتراب موعد عودته إلى نيالا.
وكشفت شقيقته الصغرى رحاب عبدالله لـ “دارفور24″، عن انضمام عددًا من الأطفال من حي كرري إلى قوات الدعم السريع، مما شجع شقيقها على الانخراط في صفوفها والعمل على إطلاق سراح والدهم المعتقل في وقتها.
وقالت إن زملاء شقيقها في سن 15 و16 و17 عامًا، يسمون أنفسهم “عيال الجاهزية” كناية على صغر سنهم.
وتحسرت لضياع مستقبل شقيقها الذي كان يدرس في الصف الثاني الثانوي قبل اندلاع الحرب في البلاد، حيث أبدى رغبة في عدم إكمال تعليمه بقوله للوالدة: “سأصبح ضابط في الجاهزية”.
ووقعت على الحاج أحمد علي 60 عامًا، واقعة مأساوية بفقده ثلاث أطفال تسللوا من البادية التي يقيمون فيها غرب مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، دون علمه، إلى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقال الحاج، لـ “دارفور24″، أن أرسل أطفال الثلاث، أكبرهم لم يكمل 18 عامًا والثاني عمره 16 عامًا والأصغر لا يتعدى الـ 16 عامًا، إلى أعمامهم للرعي في منطقة “نجانقا دولو”، لكنهم تركوا الماشية وهربوا إلى زالنجي ليلتحقوا في صفوف الدعم السريع ويستنفروا للفاشر.
وأشار إلى أن أحد أقرباءه الذي قدم من الفاشر أخبره بمقتل أطفال الثلاث في غارة جوية.
وأضاف: “لا أصدق خبر مقتلهم، رغم أن قريبي أكد تواجدهم قربه أثناء قصفهم بواسطة الطيران الحربي، حيث أصابت الغارة أكثر من 20 مقاتل توفي منهم في الحال أكثر من 10 من بينهم أبنائه الثلاثة”.
وتابع: “أخبرني بأنه دفن أشلائهم بيديه، لكني لم أصدقه فظللت اسأل كل القادمين من الفاشر، لا أريد تصديق أنهم قُتلوا فلم يبتقي لي غيرهم سوى البنات”.
ويغالب الحاج دموعه ويؤكد مرة عدم تصديقه بفقدانهم، بقوله: “حتى أن الماشية لا تضيع هكذا”.
ودعا الحاج ربه أن يكون خبر وفاتهم كاذبًا، حالمًا بعودتهم جميعًا أو حتى أحدهم ليخفف عنه هذا الثقل الذي يجسم على صدره، حيث أنهم أطفال أبرياء ليس لهم ذنب يستحقون بسببه تلك الميتة المهينة حسب تعبيره.
تابع: “غرتهم مظاهر السيارات المقاتلة، وساقتهم كلام السياسة لمصير مشؤوم. ولا أملك الدعاء لهم بالعفو والرحمة إن قتلوا وبالعودة لديارهم بالسلامة إن كانوا على قيد الحياة”.
واستنفرت قوات الدعم السريع آلاف المقاتلين من أجل السيطرة على آخر معاقل الجيش في المناطق الحضرية بإقليم دارفور، حيث ظلت تقود هجمات منذ 10 مايو المنصرم على الفاشر التي يُدافع عنها الجيش وحلفاءه بضراوة.
ويتمثل حلفاء الجيش في القوة المشتركة المكونة من حركة تحرير السودان والعدل والمساواة وفصائل منشقة من تجمع قوى تحرير السودان وتحرير السودان ــ المجلس الانتقالي، إضافة إلى مليشيات محلية ومستنفرين.
وقالت عائشة عيسى أحمد، التي نزحت في يوليو الماضي من الفاشر إلى بلدة طويلة نحو 55 كيلومترًا غرب الفاشر، إنها تركت أبنها بدر الدين ذو 15 عامًا ليُقاتل في صفوف القوة المشتركة دفاعا عن الفاشر. وأفادت، في تصريح لـ “دارفور24″، إنها لا تشعر بالذنب أو الندم لوجود أبنها في صفوف القتال.
وأضافت: “هنالك العشرات مثل بدر الدين يقاتلون من أجل حماية الفاشر، والعار أن يكون نازحا للمرة الثانية بعد أن مكثنا في مركز الأمل للنازحين عدة أشهر وخرجنا بسبب القذائف المتعمدة تجاه مراكز الإيواء”.
وقال مراسل “دارفور24” في بلدة الطينة على الحدود السودانية مع تشاد، إن الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني استنفرت عشرات الأطفال في سن صغيرة من البلدة، حيث باتوا يرتدون الزي العسكري ويحملون في اكتافهم سلاح من نوع “كلاشنكوف”.
وأشار المراسل إلى أن معظم الأطفال يُجري استغلالهم في طهي الطعام وجلب المياع والتواجد في المقرات العسكرية في ساعات النهار والتواجد بكثافة في سوق البلدة.
وتداول ناشطون، في مطلع هذا العام، صورًا ومقاطع فيديو تُشير إلى انخراط الأطفال في معسكرات التدريب بدواعٍ الاستنفار للدفاع عن مناطقهم.
وقال خبير عسكري إن وجود ملايين الأطفال خارج أسوار المدارس أغرى بعضهم للاستنفار ضمن صفوط الجيش خاصة الفئة التي على أعتاب المراهقة فيما يعمل الدعم السريع على تجنيد الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وأفاد مصدر عسكري بالجيش السوداني بمدينة الفاشر ــ فضل حجب اسمه ــ لـ “دارفور24″، بوجود عشرات الأطفال في صفوف المستنفرين قدموا طواعية للقتال مع الجيش.
وأضاف: “يتم توزيع الأعمار أكبر من 15 سنة في المقرات العسكرية للقيام بمهام متعددة كتعبئة الذخائر والعمل في إعداد وتوزيع الطعام”.
وقالت الباحثة الاجتماعية المختصة في شؤون المرأة والطفل، سامية عبد المالك أبكر لـ “دارفور24″، إن تجنيد الأطفال من قبل القوات العسكرية أو الجماعات المسلحة للدفع بهم في المعارك أثناء النزاعات أمر شديد الخطورة من حيث التأثير النفسي والجسدي وتغيير السلوك والاتجاه نحو العداء السافر للمدنيين.
وأشارت إلى أن دراسة اُجريت وجدت أن الأطفال الجنود بعد انتهاء المعارك لا ينامون في الليل ويمكنهم قتل أي شخص أعترض طريقهم بسهولة والاعتداء على الأقارب في حالة رفض أي طلب لهم.
وأضافت: “يتعرض الأطفال الجنود لاهتزاز الثقة في حالة الهزيمة، ويتجهون غالبا لأعمال النهب والسلب في حالة السيطرة على مدينة أو منطقة ويمكنهم ارتكاب أفعال مخالفة للقانون”.
وأفادت بأن دراسة أجرتها جامعة سودانية، بعد انتهاء الحرب في جنوب السودان بين الجيش السوداني والحركة الشعبية، وجدت أن 10% من الأطفال واصلوا العمل مع الجهات التي قامت بتجنيدهم فيما تمت إعادة دمج وتسريح اعداد كبيرة منهم عبر آليات متعددة منها فتح مشروعات مدرة للدخل وإعادة التأهيل التربوي ودعم التعليم.
وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في 18 مارس المنصرم، إنها تلقت تقارير تفيد بأن الجيش وقوات الدعم السريع جندا مئات الأطفال في دارفور وشرق السودان، كما دعتهما إلى الوقف الفوري لهذا الفعل وتجنيبهم تأثير العمليات العسكرية.
وقال الخبير القانوني شوقي يعقوب إن القانون السوداني يمنع تجنيد الأطفال وإشراكهم في العمليات الحربية والقتالية، كما تحدث عن ضرورة إعادة تأهيل الأطفال المحاربين ودمجهم في المجتمع، وذلك في قانون الطفل لسنة 2010.
وشدد، في تصريح لـ “دارفور24″، على أن قانون الطفل لم يضع عقوبات على تجنيد الأطفال، لكن القانون الجنائي لسنة 1991 في باب العقوبات الكبرى فرض عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من يجند طفلًا دون سن الـ 18 في القوات المسلحة أو المجموعات المسلحة الأخرى بغرض الزج به في القتال. وأشار إلى أن الاتفاقيات التي وقع عليها السودان مثل اتفاقية حقوق الطفل الأفريقي ورفاهيته، حرمت تجنيد الأطفال.