بينما تتواصل الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في حق ملايين السودانيين بسبب الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع وتعطل عمل المؤسسات العدلية الوطنية، دعت بعثة تقصي الحقائق في السودان التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الأفراد والجماعات والمنظمات إلى تقديم المعلومات والوثائق ذات الصلة بولايتها قبل نهاية يونيو المقبل.
وبحسب البعثة الأممية لتقصي الحقائق لن يتم النظر في القضايا التي يُزعم فيها حدوث انتهاكات تقع خارج نطاق ولايتها.
وفي الحادي عشر من أكتوبر الماضي، اعتمد «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة قراراً بإنشاء «بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان». وشدد القرار على الحاجة الملحة للتحقيق فيمن ارتكب انتهاكات حقوق الإنسان ومكان وقوعها.
وكُلفت البعثة بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي بما فيها المرتكبة ضد اللاجئين والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والأطراف المتحاربة الأخرى.
كما يجب على البعثة بقدر الإمكان، تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات، أو غيرها من الجرائم ذات الصلة، في السودان، بهدف ضمان محاسبة المسؤولين.
مع تقديم توصيات، بشأن تدابير المساءلة، بهدف إنهاء الإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة، بما في ذلك، حسب الاقتضاء، المسؤولية الجنائية الفردية، ووصول الضحايا إلى العدالة.
ودعا القرار وقتها أطراف النزاع إلى التعاون بصورة كاملة مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها، كما دعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.
وعقب صدور القرار سارعت «الخارجية السودانية»، آنذاك إلى رفض القرار إنشاء وعللت ذلك بأنه قرار يجانب الصواب في توصيفه لما يجري في السودان واعتبرته فاقداً للموضوعية ويساوي بين القوات المسلحة و(الميليشيا المتمردة)، ويتحامل على الجيش. بينما أبدت قوات الدعم السريع شبه العسكرية، تأييدها لتكوين البعثة، وأعلنت استعدادها للتعاون مع المحققين الدوليين دون شروط.
وفي ١٨ ديسمبر العام الماضي أعلن رئيس مجلس حقوق الإنسان، فاكلاك باليك تعيين محمد شاندي عثمان من تنزانيا، وجوي إيزيلو من نيجيريا، ومنى رشماوي من الأردن/سويسرا، كأعضاء مستقلين في البعثة الدولية المستقلة المكلفة بتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان.
والخميس الماضي أعلنت البعثة، الترحيب بالمعلومات الوقائع والظروف المتعلقة بانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك تلك المرتكبة ضد اللاجئين، والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع الذي بدأ في ١٥ أبريل ٢٠٢٣.
وبحسب البيان فإن البعثة تهتم بالمعلومات المباشرة من الناجين وأقاربهم والشهود الذين يمكنهم تبادل المعلومات حول أعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والهجمات ذات الدوافع العرقية على المدنيين، والقصف الجوي العشوائي، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، وأعمال سوء المعاملة والظروف التي تهدد الحياة التي يواجهها المعتقلون.
كما تهتم بقضايا النهب والحرق وتدمير القرى والبلدات، ونهب القوافل الإنسانية ووكالات الإغاثة والقيود غير المبررة المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، وأعمال القتل والاحتجاز التعسفي وأعمال الترهيب والانتقام ضد العاملين في المجال الإنساني والصحة والمدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع والموظفين العموميين والعاملين في الحكومة المحلية والصحفيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام والطلاب والمحامين. بالإضافة لتحديد المسؤولين بما في ذلك قوات الأمن والهيئات القضائية والمؤسسات والأفراد المتورطين بصفات مختلفة في ارتكاب أو تمكين الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان.
وسيتم عرض نتائج تحقيقات بعثة تقصي الحقائق إلى مجلس حقوق الإنسان عبر تحديث شفهي يليه حوار تفاعلي في دورته السادسة والخمسين في يونيو ــــــ يوليو ٢٠٢٤.
كما ستقدم اللجنة تقريراً شاملاً عن النتائج التي توصلت إليها خلال حوار تفاعلي في دورتها السابعة والخمسين سبتمبر ـــــ أكتوبر ٢٠٢٤ يليه حوار تفاعلي معزز بمشاركة مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وأوصت البعثة حفاظاً على الأمن والسرية بتقديم المعلومات عبر عنوان البريد الإلكتروني محدد أنشأته لهذا الغرض. وأضافت بأن المعلومات المقدمة تشمل إرسال مقاطع فيديو كبيرة أو مواد رقمية أو ملفات أخرى.
وأكد بيان بعثة تقصي الحقائق أنها تولي أهمية قصوى لحماية المصادر، لا سيما احترام السرية ومبدأ “عدم الإضرار” الذي يشمل عدم تعريض حياة الضحايا والشهود وغيرهم من الأشخاص المتعاونين للخطر.
وعادة ما تلعب الأدلة دوراً أساسياً في إثبات أو نفي التهم والجرائم، بحسب المحامي والحقوقي عبد الباسط الحاج الذي اعتبر أن الأدلة تعتبر الجسر الذي بموجبه يتم العبور نحو الاتجاه الآخر من مسار تحقيق العدالة.
ولفت الحاج في حديث لـ(عاين)، إلى أن لجنة تقصي الحقائق تتوقع معلومات وأدلة ذات صلة بموضوع الانتهاك المحدد الذي ينطوي على مخالفة للقوانين الدولية والإقليمية وتصنف على أنها انتهاك لحق من حقوق الإنسان.
وأكد على أن تقديم الأدلة يعتبر مطلباً رئيسياَ لمحاربة الإفلات من العقاب الذي يحدث لعدة أسباب من بينها غياب العدالة أو ضعف المؤسسات العدلية أو ضعف النظام التشريعي أو فساد نظام الحكم. كما أوضح أن غياب الأدلة التي تثبت واقعة محددة وتشير إلى مجرم معين يعتبر أحد أسباب الإفلات من العقاب.
ويدعو الحاج، إلى ضرورة سعي المنظمات والأفراد للعمل بجهد لتقديم الأدلة والبينات التي تعكس طبيعة الانتهاكات التي وقعت في السودان، في الفترة الماضية سواء كانت شهادات للناجين أو ذوي الضحايا أو التوثيقات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني المتخصصة في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان.
ولفت إلى أن الأدلة التي سيتم تقديمها تساعد الهيئات الدولية في الوصول إلى الحقائق والدفع نحو تحقيق العدالة في مستوياتها الدولية والاقليمية ولاحقا المحلية.
من جانبه، اعتبر عضو مجموعة محامي الطوارئ، عثمان البصري، إن التعامل مع لجنة تقصى الحقائق يعتبر ضرورة ملحة، فى ظل غياب العدالة ومؤسساتها فى السودان واتساع نطاق الانتهاكات.
وبينما يرى البصري أن المدة الزمنية التي وضعتها اللجنة تعتبر غير كافية، بسبب التحديات التي تواجه العاملين في مجال التوثيق وجمع المعلومات، لفت إلى أن اللجنة تعد مدخلاً لمحاسبة المجرمين وحفظ حقوق الضحايا وتحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب .
وأشار في حديث لـ(عاين) إلى أن رصد وتوثيق الانتهاكات من قبل بعثة دولية، يتسم بنوع من الحياد والمهنية لما يتوفر لمثل هذه اللجان الدولية من إمكانات لوجستية وفنية تساعدها في أداء مهامها بكفاءة عالية.
وأكد البصري، أن مجموعة محامي الطوارئ قامت برصد وتوثيق كثير من الانتهاكات رغم الظروف الصعبة التى تعمل فيها. وأفاد بأن محامي الطوارئ على إستعداد للتعامل مع البعثة ومدها بالمعلومات الموثقة التي تعين عملها . ولفت البصري، إلى أن مجموعة محامي الطوارئ جاهزة بعدد من الملفات لتقديمها للبعثة.
وبيّن أن هنالك العديد من العقبات والمهددات التي تواجه الأفراد والمنظمات فى التعامل مع البعثة. ولفت إلى أن طرفي النزاع الذين قاما بارتكاب الفظائع منذ بدء الحرب لن يسمحا بتقديم الأدلة التي تثبت الانتهاكات التي قاموا بارتكابها. وأكد ضرورة أن يعمل الناشطون والحقوقيون في سرية تامة مع ضرورة الانتقال لمناطق آمنة توجد بها اتصالات وإنترنت.
من جانبه، وأوضح المحامي والحقوقي سمير مكين، أن المقصود بولاية بعثة تقصي الحقائق دائرة اختصاصها التي تنحصر في جمع الأدلة من الضحايا والشهود ومنظمات المجتمع المدني والمصادر المفتوحة فضلاً عن أي مصدر يمكن أن يكون مفيداً في التحقيقات.
ولفت في حديث لـ(عاين) لضرورة فحص البيانات والمعلومات المقدمة، عن طريق التحقق من موثوقيتها حتى تتيح تحديد المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات حقوق الإنسان في كل السودان.
ويرى مكين، أن الأفراد والمنظمات المحلية والإقليمية قامت بمجهود كبير في رصد وتوثيق انتهاكات حرب الخامس عشر من أبريل.
وحول المدة الزمنية التي وضعتها بعثة تقصي الحقائق الأممية يرى مكين بوجود تحديات كبيرة على الأرض يمكن أن تكون سبباً في عدم إكمال المهام في الزمن المحدد، من بينها احتمال رفض الحكومة التعاون مع البعثة الأممية.
كما أشار لتحديات أخرى قد تعيق عمل البعثة من بينها وجود العدد الأكبر من الضحايا داخل السودان واستمرار الصراع المسلح على الأرض. وأوضح أن اختصاص البعثة الأممية يتمثل في جمع المعلومات المتعلقة بالوقائع والظروف المحيطة بالانتهاكات والتجاوزات المزعومة، وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات، ثم إصدار توصيات بشأن تدابير المساءلة والتوصيات بحماية المدنيين.
كما أشار مكين، إلى أن المنظمات التي تعمل في إقليم دارفور، على وجه الخصوص استطاعت رصد وتوثيق الانتهاكات التي وقعت هناك باحترافية ومهنية عالية. وأوضح أن الأعداد الكبيرة من الضحايا والشهود بما في ذلك الذين استطاعوا الخروج من السودان سيتيح تقديم البيانات والمعلومات إلى لجنة تقصي الحقائق.
وأكد مكين على ضرورة التحقق من الوقائع والأدلة قبل إرسالها. ودعا لبذل الجهود من أجل الإسراع في تقديم المعلومات.
من جانبه، اعتبر ، المدير التنفيذي للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، أحمد الزبير، أن إعتماد «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة بعثة أممية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان يعد خطوة إيجابية.
وبحسب الزبير فإن واجب المنظمات الوطنية العاملة في شأن حقوق الإنسان يتمثل في إعداد تقارير موثقة بشكل جيد قبل تقديمها للجنة التقصي الأممية. وأشار إلى الواجب المُلح لكل الأفراد والجماعات والمنظمات هو دعم عمل هذه اللجنة لضمان نجاح مهمتها.
ولفت إلى أهمية التوثيق وفق المنطقة الجغرافية المحددة مع ضرورة العمل على جمع المعلومات وفقاً للتخصص الذي يعمل فيه الأفراد أو الجماعات أو المنظمات يساعد البعثة في الوصول إلى المعلومات التي تريدها.
وعلى الرغم من إتساع الرقعة الجغرافية التي ارتكبت فيها الإنتهاكات، فإن الزبير يؤكد وجود أشخاص ناشطين في مجال التوثيق في كل أنحاء السودان.
ولفت إلى أن جمع وإرسال المعلومات الموثقة يعتبر عملية معقدة، بسبب صعوبة التحقق مع عدم توفر اتصالات عادية أو إتصالات إنترنت.
ومع ذلك، فإن الزبير يرى بأنه على الرغم من هذه التحديات فلا يزال هناك من له القدرة على إيصال هذه المعلومات للبعثة الأممية لتقصي الحقائق.
وأشار إلى أن من المتوقع أن تواجه لجنة تقصي الحقائق عقبات في الحصول على إذن دخول للسودان بواسطة حكومة الأمر الواقع، كما قد تواجه صعوبات في عملية التنقل بين المناطق الجغرافية داخل السودان.
وأكد على أن المنظمات الوطنية السودانية العاملة في مجال الحقوقي تعمل على خلق شبكة تواصل مع بعضها البعض لمساعدة لجنة تقصي الحقائق على إجراء التحقيقات عبر تقسيم العمل ووضع جدول زمني لتقديم المعلومات التي من شأنها مساعدة لجنة تقصي الحقائق في القيام بمهامها.