النازحون والنازحات في مراكز الإيواء يعيشون أوضاعاَ معيشية سيئة بين المساهمة الضئيلة للحكومة، وخروج وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في مجال الإغاثة، وقد حلت محلها المبادرات المجتمعية، وجهود بعض المنظمات الوطنية، التي عملت علي فتح وترتيب المراكز مع عدم وجود التمويل، إلّا من مساهمات المجتمع المحلي، وقليل من الدعم عبر الصليب الأحمر ومنظمة الأغذية العالمية، التي لاتمتلك مخزون للغذاء بالولاية.
تسابقت المبادرات المجتمعية لسد النقص في الغذاء والدواء بالجهد الذاتي خلال الستة أشهر الماضية، لكن، الأعداد الكبيرة من النازحين والنازحات فاقت طاقتهم، وأصبحت أصوات المناشدات بتوفير الدعم هي الأعلى، مع انتشار الحميات والملاريا وانعدام الرعاية الصحية الأولية للنساء، وانتشار سوء التغذية للأطفال بمراكز الإيواء.
يُقدّر عدد مراكز الإيواء بولاية شمال دارفور بأكثر من ٦٣ مركزاً، ويضم ١٧٥٨١ أُسرة من النازحين تقريباً، وذلك، حسب احصائيات مفوضية العون الإنساني بالولاية، قبل أحداث ١ نوفمبر التي أدّت إلي نزوح سكان المدينة بالأحياء الشرقية ومعسكري السلام وأبوشوك. وتضم مراكز الإيواء النازحين من كتم وطويلة وكبكابية ونيالا وكاس والخرطوم وزالنجي والجنينة، والمناطق الأُخري المتاثرة بالنزاع.
أوضاع مأساوية
مازال النازحون والنازحات بمراكز الإيواء يعيشون أوضاعاً ماساويةً وكارثية، وغير انسانية، نتيجة لاندلاع الحرب الكارثية في ١٥ أبريل بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، مما أدي إلي نزوح السكان، واستقرارهم بالمدارس التي تقع جنوب مدينة الفاشر، هروباً من الدانات الي أدت بحياة المدنيين.. وتبقي أوضاع النساء هي الأصعب من حيث السكن والغذاء وانتشار الأمراض.
تدهور الأوضاع الصحية
تحدثت – عبر الهاتف – عضوة مركز تمباسي للإيواء لـ(سودانس ريبورترس) الناشطة عرفة موسي، عن أوضاع النساء بمراكز الإيواء، حيث تواجه النساء والطفلات والأطفال، أكبر مشكلة، وهي السكن، وعدم وجود أماكن آمنة مخصصة للنساء، مما يعرضهن للتحرش الجنسي بسبب مشاركة السكن.. وتقول عرفة موسي إنّ بعض الممارسات قد تودي إلي أمراض جنسية، وتأسّفت عرفة، علي حال النساء الحوامل داخل مراكز الإيواء، كما تحدثت عن صعوبة تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية وانعدام مستلزمات النظافة الشخصية للنساء، مما أدي الي تدهور الأوضاع الصحية لهن، وضعف خدمات منظمة تنظيم الأسرة، وتقديم التوعية، والدور الوقائي للمرضعات، كما تحدثت عن تفشي حالات سوء التغذية بين الأمهات والاطفال بسبب كمية ونوعية الغذاء الذي يقدم من خلال المطبخ الجماعي الذي تم التوافق عليه من قبل النازحين لقلّة حصة المواد الغذائية المقدمة للأسرة.. وأوضحت عرفة أن الجميع يتشاركون في الأكل عبر طهي الطعام في مطبخ واحد، وتوزيعه للجميع، بدلا من أن تطبخ كل أُسرة بمفردها، وقد تنقصها بعض الأشياء، كما أنّ للمطبخ الجماعي عيوب، منها أنه لايراعي خصوصية طعام الأطفال، وذوي وذوات الأمراض المزمنة، وقد تم اعتماد فكرة المطبخ الجماعي من قبل منظمتي الصليب الأحمر والأغذية العالمية، ودعمها ببعض المواد لمدة شهر واحد فقط..
أدّى عدم وصول المساعدات الإنسانية إلي دارفور، إلي تفاقم الأوضاع الإنسانية بالإقليم، وبالرغم من اجتهاد المبادرين بجمع مبالغ مالية، بالجهد الذاتي، ووجمع مواد غذائية، إلّا أن الاخيرة، وقفت بسبب الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد.
وتضيف عرفة موسي “إن جمعيات النساء بالأحياء، كان لها الدور الكبير لدعم مراكز الإيواء بالطعام، وبعض المعينات الأخري، ولكن طال أمد الحرب، فتوقفت الجهود”.. وانهت عرفة موسي، حديثها بالقول: “إن الهجوم الذي تمّ في ١ نوفمبر ٢٠٢٣، علي مدينة الفاشر، قد خلّف نزوحا كبيراً، شمل النازحين بمعسكر السلام، ومعسكر أبوشوك للنازحين، كما شمل المواطنين من الأحياء الشرقية، بعد التسجيل الصوتي لوالي الولاية نمر محمد عبد الرحمن، الذي طالب فيه، بخروج المواطنين من المناطق التي تُدار فيها المعارك، فانضموا لمراكز الإيواء المنهارة والخالية من الخدمات، مع انعدام مياه الشرب، والغذاء والخدمات وخروج الوضع الصحي عن السيطرة، وبهذا الوضع المعقد تختم عرفة موسي بالقول: “لا نستطيع العمل بمراكز الإيواء”!.
الوضع قاتم وقاتل
وعبر تسجيل صوتي ل(سودانس ريبورترس) تحدتث مديرة (منظمة التقانة لتنمية المرأة والطفل)، والناشطة في مراكز الإيواء، إبتسام الدومة شمين، مبتدرةً حديثها بأنّ الوضع “قاتم وقاتل”، وهناك نقص حاد وكبير فى الغذاء، وفى أدوية الأمراض المزمنة، وتضيف عرفة :” إنّ بعض النساء نزحن بسبب عدم وجود الطعام في المنازل، ليتقاسمن الوجبات التي تُقدم داخل مراكز الإيواء، بسبب عدم صرف المرتبات منذ اندلاع الحرب، وحتي النساء الحوامل لا يستطعن المتابعة الدورية، بسبب بُعد مستشفي النساء والتوليد، وأحيانا تتم حالات ولادة داخل مراكز الإيواء”..
وشددت إبتسام الدومة علي أهمية عمل جلسات علاج نفسي للنساء، لأنّ من بينهن من تعرضن للإغتصاب والتحرش والصدمات من مشاهدة قتل ذويهن أمام أعينهن، مؤكّدةً أنّ الدعم النفسي، هي الخطوة الأولي نحو التعافي، ومضيفةً إنّ ارتفاع وفيات الأمهات أثناء الولادة بسبب الحرب، أصبح كثيراً، بمعدل ٤ وفيات في الإسبوع داخل المدينة، وهذا العدد “مخيف ومقلق” على حدّ قولها، ولم يتم – بعد – التعرف على الأسباب التي تؤدي للوفاة.
فاتورة الماء كبيرة
من جهةٍ أخري، أكدت مصادر طبية لـ(سوانس ريبورترس) إن بعض الوفيات نتجت عن اصابات بحمي الضنك والملاريا، التي انتشرت في مراكز الايواء.. وقد سعت مبادرات كثيرة لتغطية الفجوة الصحية التي خلفتها وزارة الصحة، بعدم تواجدها بمراكز الإيواء لتلبية احتياجاتها الصحية.. ولكن، ما يزيد الأمر خطورة هو انعدام مياه الشرب بسبب نقص الوقود، كما أنّ فاتورة الماء كبيرة، يصعب تغطيتها بالجهد الشعبي، والمبادرات المجتمعية المحلية.. وكما نعلم، لاحياة بدون ماء!.
النساء يتعرضن للتحرش والإستغلال الجنسي
تقول النازحة إلى مركز الإيواء (مريم علي) “أنا كنت حاملة في الشهر الرابع، حينما جئت إلي مركز الإيواء من الأحياء الشرقية، وبرفقتي ثلاثة أطفال، مات والدهم أثناء الإشتباكات، ولانمتلك ما نأكله، ونسد به رمقنا، وقد نزحنا إلي مراكز الإيواء، لأتمكن من اِطعام أبنائي، وقد دخلت – هذه الأيام – في الشهر التاسع، ولم أتمكن من مقابلة الطبيب بسبب الظروف، وسوف أقوم بولادة طفلي في المركز، ولن أتمكن أن أذهب الي المستشفي، بسبب الحرب” !. وتضيف مريم علي، بسبب دورات المياه المشتركة، وعدم وجود دورات مياه مخصصة للنساء، نتعرض للتحرش داخل مركز الإيواء، ووجود رجال ونساء وأطفال في مكان واحد، بدون مُراعاة الخصوصية، قد ينتج عنه “أشياء كثيرة” !.. وقد تحدثنا كثيراً مع “اللجنة” لفصل أماكن خاصة بالرجال، إلّا انهم لم يفعلوا شيئاً، ونتيجةً لهذا الوضع، فإنّ بعض النساء يتعرضن للاستغلال الجنسي، كما تتزايد حالات العنف الجنسي والجسدي ضد النساء في دارفور منذ بداية الحرب، وقد وثقت وحدة حماية المرأة والطفل الحكومية ٢٥ حالة في دارفور، وربما يكون العدد الصحيح أكثر من ذلك، لصعوبة التبليغ والخوف من الوصمة !.
اتحتاج مراكز الايواء إلي تضافر الجهود لتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة، من غذاء ودواء وخيام، وغيرها من ضروريات الحياة، وعلي منظمات المجتمع المدني القيام بدور التوعية والعلاج و الدعم النفسي للنازحين بمعسكرات الإيواء..
مطالبة بوقف الحرب وتوفير ممرات آمنة
النساء بمراكز الإيواء، يُوجهن نداءاً عاجلاً للمجتمع الدولي، والأمم المحتدة، والمنظمات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية، ويُطالبن أطراف النزاع بوقف الحرب وبتوفير ممرات آمنة لإيصال الإغاثة والمساعدة الإنسانية، الي مراكز الإيواء بالفاشر..
من جهتها أصدرت الأمم المتحدة – قسم حقوق الانسان – في يوليو ٢٠٢٣، بياناً شددت فيه علي ضرورة الإلتزام بالقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الانسان، بهدف حماية المدنيين، بمن فيهم الفتيات والنساء، ويشمل البيان أهمية الحصول علي الرعاية الصحية الأولية، والسماح للعاملين في مجال الصحة بالوصول إلى المنشآت الصحية.
تم إنتاج هذا التقرير، الذي نُشر في الأصل في صحيفة سودان ريبورترس ، من خلال تعاون وايامو المستمر مع شبكة من الصحفيين السودانيين كجزء من مشروعها المستمر “بناء قدرات المجتمع المدني وقطاع العدالة في السودان” الذي تم إطلاقه في مارس ٢٠٢٢. ويهدف المشروع إلى تعزيز قدرة المجتمع المدني والجهات الفاعلة القانونية في السودان أثناء مشاركتهم في عملية العدالة الانتقالية. ويتم تدريب الأفراد على القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، ويتم تزويدهم بالمعرفة اللازمة للتعامل مع قضايا الجرائم الخطيرة التي تعرض على المحاكم، بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية.