يعرف صندوق الأمم المتحدة للسكان العنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي بأنه العنف الذي تسهله التكنولوجيا ويُمارس أو يتفاقم باستخدام المعلومات والاتصالات والتكنولوجيات أو المساحات الرقمية ضد شخص بناءً على نوعه الاجتماعي.
هذا النوع من العنف يُيسَّر من خلال تصميم التكنولوجيات الحالية والناشئة، بما يشمل الأجهزة والبرمجيات على حد سواء، ويتطور باستمرار مع تطور هذه الأدوات.
بحسب دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان، يحمل هذا النمط من العنف عواقب كبيرة على الصحة والسلامة، إلى جانب تأثيرات سياسية واقتصادية واسعة تطال النساء والفتيات وأسرهن ومجتمعاتهن، مما يؤثر على المجتمع ككل.
في كثير من الحالات، تلجأ النساء والفتيات إلى الرقابة الذاتية لتجنب العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تُسهله التكنولوجيا، مما يؤدي إلى إسكات أصواتهن وتقويض الديمقراطية.
تواجه النساء في السودان معركة مزدوجة تتمثل في العنف الجسدي، مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتحرش عبر الإنترنت، خاصة أثناء دفاعهن عن العدالة والمساواة.
من المهم تسليط الضوء على المبادرات التي تقودها النساء والناشطات لاستخدام المنصات الرقمية لمواجهة الكراهية وتعزيز جهودهن للضغط من أجل تحقيق العدالة للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان بفعالية على مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تُسهله التكنولوجيا. تشمل جهوده:
■ توفير خدمات الاستجابة للناجين والناجيات عند الحاجة.
■ تقديم التدابير الاجتماعية، الصحية، القانونية، وتدابير العدالة اللازمة.
■ تعزيز الوعي المجتمعي بالقضية لتمكين الناجين والناجيات.
■ مناصرة المساءلة والتنظيم من خلال مبادرات مبتكرة مثل الصفحات التفاعلية التي تقدم الدعم والتوعية.
تُظهر هذه الجهود أهمية التعاون الدولي والمحلي للتصدي لهذا الشكل من العنف وضمان حماية حقوق النساء والفتيات في المجالين الرقمي والمجتمعي.
تُشير الدكتورة نادية السقاف في ورقة “الثورة الرقمية للمرأة السودانية ورد الفعل العنيف” إلى أن العنف الرقمي ضد النساء لا يزال مفهومًا بشكل محدود، ويُعزى ذلك إلى الحساسيات الثقافية، نقص البيانات، وقلة انتشار الإنترنت بشكل عام.
ومع تزايد استخدام النساء للإنترنت، ارتفعت حالات العنف الرقمي بشكل ملحوظ. ورغم ذلك، لا تزال الأدوات والآليات اللازمة لحماية الضحايا غير كافية.
تشدد السقاف على الحاجة إلى قوانين فعّالة تمنع العنف الرقمي وتعزز أمن النساء الشخصي، مشيرة إلى أن النساء العاملات في المجال العام، مثل السياسيات والصحفيات، يتعرضن لعنف رقمي أكبر بسبب ظهور حساباتهن بشكل علني، وفقًا لدراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2020.
من جانبها، تقول أميرة عثمان، رئيسة مبادرة “لا لقهر النساء”: “الحديث عن التحرش عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشبه تعلق الغريق بالقشة”. مضيفة ان هناك فتيات يسعين لاسترداد حقوقهن من المعتدين، لكنهن يواجهن معضلة كبيرة تتمثل في صعوبة تقديم الأدلة، موضحة أن القضية قد تتحول بسهولة من محاولة إثبات جريمة إلى تشويه سمعة الضحية، حيث تُصبح المتحرش بها في بعض الأحيان موضع اتهام.
تُشير أميرة إلى أن قضية العنف الجسدي في السودان تتفاقم بسبب حالة الحرب التي تمر بها البلاد، حيث تُمارَس أشكال مختلفة من العنف الممنهج ضد النساء السودانيات.
وتوضح أن الحرب، بطبيعتها، قد تحولت إلى ساحة لاستهداف أجساد النساء، مع تصاعد الانتهاكات من قبل قوات الدعم السريع والجيش السوداني. وترى أميرة أن هذه الحرب فتحت الباب على مصراعيه للاستغلال الجنسي والجسدي، مما جعل النساء الأكثر تضررًا من تداعيات النزاع، وأبرزهن كضحايا رئيسيات للعنف في ظل غياب الحماية والعدالة.
يؤكد مراقبون أن الناشطات والصحفيات العاملات في المجال العام يتعرضن بشكل متزايد للمضايقات والتهديدات عبر الإنترنت. ففي عام 2020، تلقت إحدى الصحفيات تهديدات بالقتل على منصات التواصل الاجتماعي بسبب تصريحاتها العلنية ضد العنف الجنسي والتحرش في السودان.
ورغم إبلاغ السلطات بهذه التهديدات، لم تتلق أي دعم يذكر ولم يتم محاسبة الجناة.
تشير الدراسات إلى أن انتشار العنف ضد المرأة في السودان يرتبط جزئيًا بالأعراف الاجتماعية الأبوية التي تُكرس التمييز وعدم المساواة بين الجنسين. يُضاف إلى ذلك غياب الأطر القانونية والمؤسسية الكافية لحماية حقوق النساء في المجال الرقمي، مما يؤدي إلى تفاقم انتشار العنف الرقمي ضد المرأة. كما أن السياق القانوني المحيط بالعنف ضد المرأة في السودان يُعد معقدًا وغير كافٍ للتعامل مع هذه الظاهرة.
تُشير الأستاذة إقبال حسين إلى أن الفضاء الرقمي مليء بصفحات مجهولة تهدف إلى استغلال النساء بطرق مختلفة. تبدأ هذه المحاولات بالتعرف عليهن من خلال روابط تدعي توفير فرص أو منح، وتنتهي بالسيطرة على حساباتهن، مما يؤدي إلى مضايقات إضافية وعنف نفسي وجنسي.
تؤكد حسين أيضًا على وجود بعد اقتصادي لهذه الظاهرة، حيث يستغل القراصنة (الهكرز) النساء في ظروفهن الصعبة للاستيلاء على حساباتهن المالية.
وترى أنه يجب تعزيز مهارات الحماية الرقمية لدى النساء من خلال تدريب مكثف يمكنهن من تأمين هواتفهن وحساباتهن الشخصية بشكل احترافي. فشبكة الإنترنت، رغم فوائدها، مليئة بالمخاطر التي يجب مواجهتها بتدريب النساء على حماية أنفسهن ومعلوماتهن الشخصية.
تُشير الصحفية حبيبة يوسف إلى الدور الكبير الذي تلعبه المرأة السودانية في العديد من المجالات، خاصة بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023. وتؤكد أن التحديات المتزايدة التي تواجه النساء في المجال الرقمي تتطلب تقديم تدريبات متخصصة في مجال الحماية الإلكترونية.
تناشد حبيبة المنظمات المحلية والدولية بتوفير برامج تدريبية تُعنى بتمكين النساء من التعامل مع الظواهر التي تستهدف المرأة المنخرطة في الحياة العامة السودانية، بما في ذلك التحرش الإلكتروني والتهديدات الرقمية.
تطالب حبيبة بإطلاق مبادرات لدعم وتطوير العمل النسوي في السودان، خاصة في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد. وتشدد على أن التصدي لقضايا التحرش، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي، يتطلب جهودًا جماعية ومستمرة.
ترى حبيبة أن هذه المبادرات يجب أن تهدف إلى تعزيز دور المرأة وتأثيرها على المستويين الاجتماعي والثقافي، مع التركيز على حماية الفاعلات في المجال العام السوداني من الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عن العنف الرقمي.
انفتاح المراة علي مواقع التواصل
وكذلك تقول الصحفية مودة حمد أن المرأة السودانية تتعرض لتحرش بشكل كبير على السوشيال ميديا خاصة في الاونة الاخيرة نتيجة للانفتاح الكبير في الميديا وانتشار الفيديوھات عبر الريلز، وفيديوھات التيك توك، فالانفتاح والعرض الجسدي الذي تقوم به المرأة بقصد او غير قصد عبر الحرية العالمية المتاحة صعد من لھجة التحرش اللفظي عبر الميديا فأصبحت المرأة محط تجريم امام اي مادة تقوم بنشرھا في الميديا حتى وان كانت بعيدة عن المحتوى الجسدي.
مشيرة مودة كذلك الي خطاب الكراھية الذي تقوده اطراف الصراع جزء كبير منھا يتم توجيهه للنساء في السودان بشكل ممنھج خاصة تجاه السيدات الناشطات في مجال المجتمع المدني، والمغنيات والصحفيات وكل من لديھن نشاط بارز في دعم احد طرفي الصراع او دعم ايقاف الحرب.
اوضحت مودة ان اللغة الكريھة التي توجه عبر السوشيال ميديا ازمت من الامر، وجعلت الكثير من النساء ينزوين عن قول رأيھن لكي لا يتعرضن لعنف لفظي وتحرش.
يتخذ العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تُسهله التكنولوجيا أشكالًا متعددة، منها:
■ الابتزاز الجنسي، سواء بالتهديد بنشر معلومات أو صور أو مقاطع فيديو.
■ الإساءة القائمة على الصور، بما في ذلك مشاركة الصور الحميمة دون إذن.
■ التشهير ونشر المعلومات الشخصية.
■ التنمر السيبراني والتحرش الجنسي عبر الإنترنت.
■ المطاردة السيبرانية والإغواء بهدف الاعتداء الجنسي.
■ الاختراق وخطاب الكراهية.
■ انتحال الشخصية عبر الإنترنت واستخدام التكنولوجيا لتعقب الناجين من العنف لممارسة مزيد من الأذى.
التصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهودًا مجتمعية، دعمًا قانونيًا، وبرامج توعية شاملة لتمكين النساء وحمايتهن في الفضاء الرقمي والمجتمع ككل.