في تاريخ السودان الحديث من الحرب والاضطرابات السياسية، كان هناك شيء ثابت وهو المرونة والتصميم الثابت للنساء. وبعيدًا عن كونهن ضحايا، فقد برزت النساء السودانيات كأبطال للعدالة، ووكلاء للمصالحة، ومهندسات للسلام. من الخطوط الأمامية لمناطق الصراع إلى المبادرات الشعبية، يستخدمن أصواتهن وأفعالهن للمطالبة بالمساءلة والعدالة.
دور المرأة خلال النزاعات
خلال الحروب التي شهدها السودان، كانت المرأة غالبًا الضحية الأولى للانتهاكات مثل النزوح، والعنف الجنسي، وفقدان المعيل. لكنها لم تتوقف عند المعاناة، بل لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على الأسر والمجتمعات، وقدمن الدعم النفسي والاجتماعي في أحلك الظروف.
المرأة كمدافعة عن العدالة
قادت النساء مبادرات فريدة لتوثيق الانتهاكات التي تعرضن لها أو شهدنها، مما عزز جهود العدالة محليًا ودوليًا. كما شاركت المرأة بقوة في الدعوة للعدالة الانتقالية بعد الثورة، مطالبة بمحاسبة مرتكبي الجرائم وتعويض الضحايا.
المشاركة في بناء السلام
لم يقتصر دور المرأة على النضال الحقوقي، بل امتد إلى المصالحة المجتمعية. عبر قيادة مبادرات تصالحية في المجتمعات المتضررة من الحرب، ساهمت النساء في تعزيز التماسك الاجتماعي ومعالجة المظالم العميقة.
أثبتت المرأة السودانية شجاعتها في فترات ما بعد الحرب، حيث لعبت أدوارًا عظيمة في مساعدة أسرتها وأهلها على اجتياز الأزمات. قدرتها على التعافي السريع من صدمة الحرب لم تقتصر على مواجهة التحديات اليومية فقط، بل امتدت إلى بناء مجتمعاتها من جديد، ومواصلة الحياة برغم الظروف الصعبة.
إضافة إلى ذلك، أظهرت النساء السودانيات مهارات استثنائية في التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الحرب. من خلال ابتكار سبل جديدة للعيش، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، وتحمل المسؤوليات المتزايدة، أثبتت المرأة أنها ليست فقط رمزًا للصمود، بل أيضًا محركًا للتغيير الإيجابي.
قادت ناشطات سودانيات حملات للدعوة إلى حقوق المرأة وتمثيلها في المناصب القيادية، وأصبحن رموزًا للصمود والدفاع عن العدالة
قصص النساء السودانيات ملهمة في كل جوانب الحياة:
رغم قسوة النزوح، أظهرت النساء قدرتهن على بدء حياة جديدة، كما هو الحال مع الأم التي عادت إلى أمدرمان بعد النزوح لتعيد بناء أسرتها وسط ظروف معيشية صعبة وعند عودتهم إلى منزلهم، واجهت الأسرة تحديات عدة، لكن الأم، ترى ان تعيش بمنزلها وسط جيرانها اكثر راحة رغم استمرار اصوات المدافع التي يسمعونها من حين لاخر ، وحتى تستطيع توفير أسياسيات الحياة بدأت بإعداد السندوتشات وبيعها في النادي القريب من المنزل، مما وفر مصدر دخل مكنهم من اعاشة انفسهم وتأمين بعض احتياجات الأسرة الأساسية، ورغم ان اصوات الحرب لا زالت تسمع في تلك المنطقة إلا ان إبنتها الصغيرة كانت ترى راحتها وسعادتها بالعودة الي المنزل اكبر من رعبة سماع تلك المدافع حيث كانت تعاني من مرض الحساسية في فترة النزوح الاخيرة، مما أثر على نشاطها وحيويتها. ومع عودة الأسرة إلى منزلهم في أمدرمان، تحسنت حالتها بشكل ملحوظ، لتصبح أكثر نشاطًا وسعادة. تقول الأم بابتسامة: “البيت ليس مجرد جدران، هو المكان الذي يعيد لنا الروح، وهذا ما حدث مع ابنتي.”
بالنسبة للناس في السودان، ليس هناك مكان آمن.
لقد أودى النزاع الداخلي بحياة ما يزيد على 14,000 شخص وهجّر ما يفوق 10 ملايين نسمة. ويواجه الناس في السودان انتهاكات مستشرية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني ما أسفر عن وقوع عدد هائل من الإصابات في صفوف المدنيين، وعنف قائم على النوع الاجتماعي، وحجب للإنترنت، وهو ما يجعل من المستحيل تقديم المساعدات الإنسانية إلى ملايين المدنيين الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة بدون طعام أو ماء.
يقول الخبير القانوني عبد الباسط الحاج: العقبات التي تواجه تحقيق العدالة عموما هي عدم رغبة المؤسسات العدلية أو عدم قدرتها في تحقيق العدالة لأسباب عديدة من ضمنها الإرادة السياسية و كذلك الإمكانيات اللوجستية.
لكن ضمن العقبات الفنية هي عملية توثيق الانتهاكات التي تقع ضد المدنيين و خاصة النساء والأطفال حيث ان عملية الرصد و التوثيق الصحيح هي البداية لضمان تحقيق العدالة في المستقبل وهي المدخل السليم لقطع طريق الإفلات من العقاب. بالإضافة لتحديد الجناة و مسؤلياتهم عن الجرائم التي ارتكبوها و استخدام كل الآليات الممكنة لتحقيق العدالة المحلية منها والإقليمية و الدولية مما يوفر فرصة كبيرة لمنع الإفلات من العقاب.
ختاماً المرأة السودانية ليست فقط رمزًا للصمود، بل هي قوة ناعمة تدافع عن العدالة بكل إصرار. بفضل شجاعتها وإصرارها، ستظل شريكة أساسية في بناء سودان أكثر عدلاً وإنصافًا، حيث تكون العدالة حقًا للجميع.