تقرير: حسين سعد
كشف خبراء قانونيون ومدافعون عن حقوق الإنسان عن تحديات تواجه عمل المحكمة الجنائية الدولية في السودان، تشمل قلة الإمكانات المالية والفنية، ورفض الحكومة السودانية السماح بإجراء تحقيقات ميدانية. وأوضح الخبراء أن المحكمة الجنائية لا تؤدي دورها بشكل كافٍ في السودان بسبب قيود منها عدم عضوية السودان في المحكمة، مما يجعل عملها معتمدًا على قرارات مجلس الأمن، وهو ما يخضع لتوازنات سياسية للدول الكبرى، إلى جانب هشاشة مؤسسات العدالة السودانية.
وأشاروا إلى بطء عمل المحكمة في السودان، حيث لم تصنف الجرائم المرتكبة خلال الحرب كجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، رغم توفر الأدلة بالصوت والصورة واعترافات المتهمين وشهادات الشهود على جرائم القتل، الاغتصاب، التهجير القسري، والإبادة الجماعية. واعتبر الخبراء أن استمرار الحرب منذ 15 أبريل يعقد عمل المحكمة، بسبب عدم قدرة لجان التحقيق على أداء مهامها تحت القصف وغياب الحماية اللازمة للشهود والخوف من القصف العشوائي.
مجهود مقدر رغم التحديات
أشاد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان سمير مكين بجهود المحكمة الجنائية رغم قيودها الفنية والمالية، وتقديمها تقارير دورية لمجلس الأمن. لكنه أشار إلى أن التحديات الكبرى تشمل صعوبة تحقيق الإنصاف للضحايا بسبب سيطرة الحكومة السودانية، التي ترفض اختصاص المحكمة بدارفور وتمنع إجراء تحقيقات ميدانية.
وتساءل مكين عن مصير الضحايا في بقية مناطق السودان، الذين يشكلون 70% من المتضررين. كما أشار إلى التجربة الفلسطينية التي قبلت اختصاص المحكمة الجنائية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين، واعتبرها مثالًا استراتيجيًا يمكن للسودان الاستفادة منه.
التوازنات السياسية وأثرها على عمل المحكمة
المحامي يحيى سويس أكد أن عمل المحكمة الجنائية في السودان يواجه تحديات كبيرة، أبرزها اعتماد المحكمة على قرارات مجلس الأمن بسبب عدم عضوية السودان، وضعف الإمكانات المالية، وهشاشة المؤسسات العدلية السودانية. ولفت إلى أن الأنظمة المستبدة تعيق جهود المحكمة، مما يؤدي إلى تفشي الإفلات من العقاب.
وأشار سويس إلى أهمية النظر في تجربة المحاكم المختلطة، كما حدث في رواندا ويوغوسلافيا السابقة، لمعالجة الجرائم والانتهاكات في السودان. وأكد أن السودان بحاجة إلى دعم فني لإنشاء محاكم مختلطة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، خاصة أن التشريعات السودانية الحالية غير كافية لتغطية الجرائم المرتكبة.
بطء في التصنيف والإجراءات
عبدالخالق النويري، محامٍ ومدافع حقوقي، أشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعتمد على نظام روما الذي يحدد اختصاصها بجرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية، والتهجير القسري. لكنه انتقد بطء المحكمة في تصنيف الجرائم المرتكبة في السودان، رغم وضوح الأدلة.
وأضاف أن النزاعات في السودان تختلف عن حروب الدول الأخرى، حيث تغلب عليها الجوانب السياسية أكثر من القانونية. كما أن استمرار الحرب وغياب الحماية للشهود يعقدان العمل الجنائي، في ظل تدخلات دولية وإقليمية تجعل من الحرب استثمارًا في الموارد السودانية.
حماية الشهود وغياب آليات التنفيذ
أوضحت أمينة حميلة، مسؤولة التوعية والعلاقات العامة بالمحكمة الجنائية، أن المحكمة تعتمد على التعاون مع الدول الأعضاء البالغ عددها 124 دولة. لكنها أشارت إلى تحديات كعدم وجود آليات لإجبار الدول على التعاون وتأخير المحاكمات بسبب الحاجة لجمع أدلة شاملة.
في السياق ذاته، كشف فادي العبد الله، المتحدث باسم المحكمة، أن اختصاص المحكمة في السودان يقتصر على قرار مجلس الأمن 1593 الصادر عام 2005 بشأن دارفور، مؤكدًا أن المحكمة لا تستطيع توسيع نطاق اختصاصها دون موافقة مجلس الأمن أو انضمام السودان لنظام روما.
القانون في خدمة الجميع
أطلق المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان ونائباه تقرير مكتب المدعي العام لعام 2024 تحت عنوان “القانون في خدمة الجميع”، مؤكدين مواصلة التحقيقات والمحاكمات الفعالة العام المقبل. وأبرز التقرير التقدم في التحقيقات والملاحقات القضائية، حيث يتضمن 12 تحقيقًا جاريًا و30 مذكرة اعتقال معلنة.
واختتم خان بالتأكيد على التزام مكتبه بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، مع تعزيز الجهود لضمان عالم أكثر عدالة من خلال نظام روما الأساسي.