إن الإصلاح المؤسسي يمكن أن يكون جزءا مهما من العدالة الانتقالية، بما في ذلك إصلاح قطاع الأمن، والقضاء والمؤسسات الرئيسية الأخرى، يمكن أن يساعد ذلك في ضمان منع الانتهاكات في المستقبل ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة، وتطرح الاسئلة، ما الغرض من الإصلاح المؤسسة، وما الذي يمكن يحققه في سبيل العدالة الانتقالية، كوضع مثل السودان.
يقول عبد الباسط الحاج – المحامي والباحث القانوني تأتي اهمية الاصلاح القانوني من الضروريات القصوي في الدول التي شهدت حالات فساد مؤسسي، و سياسي او حروب اهلية نسبة لوجود إختلال داخل المؤسسات الرسمية للدولة، مما يعيق عمليات التطور، و الاستقرار و النماء، و بالتالي يجب اصلاح المؤسسات العامة، و تشكيلها بحيث تخدم عملية التنمية و الرخاء.
يوضح ضمن عمليات الاصلاح يجب ان تكون المؤسسات الكبري مثل المؤسسات الامنية الثلاث الجيش والشرطة، وجهاز الامن, حيث ان هذه المؤسسات ظلت متردية و متورطة في عمليات فساد و انتهاكات لحقوق الإنسان، تتصف بالأخطر نوعها بالتالي يجب ان يبدا الاصلاح بتشكيل مؤسسات امنية بمنهج جديد و ادارة جديدة تعيد هذه المؤسسات الي المسار الطبيعي لها.
ويري عبدالباسط من ضمن المؤسسات كذلك القطاع العدلي او الاجهزة التي تعمل في مجال العدالة ابتدا من الاصلاح التشريعي، قد ظلت التشريعات الوطنية في السودان رجعية، و جزء منها لا يتمشي مع لتطور الطبيعي لحقوق الانسان، و المواثيق الدولية التي يعتبر السودان طرف فيها حيث السودان ملزم بان يوائم قوانينه الداخلية مع تلك المواثيق التي تضمن حقوق الانسان وتكفل.
كما يدخل ضمن الاصلاح العدلي و القانوني اصلاح الجهاز القضائي وهنا اتحدث عن إزالة كافة المظاهر السياسية او كل العوامل التي تؤثر علي آداء الجهاز القضائي بإستقلالية تامة، و من ثم تمكن الجهاز القضائي بان يكون بعيدا عن التأثيرات التي قد تأتي من الجهاز التنفيذي او التشريعي, و يدخل كذلك ضمن الاصلاح القانوني إصلاح جهاز النيابة، و الشرطة، و ضمان إستقلاليتها و ضمان القيام بعملها بكل شفافية.
ويقول عبدالباسط من اجل تحقيق مستوى من العدالة في السودان يجب ان يكون هناالك اصلاح اقتصادي، و اجتماعي بحيث تكون هنالك عدالة في توزيع الثروة و الموارد ما بين الاقاليم و المركز حيث ظل السودان يعاني من اختلال موازين الثروة و السلطة بشكل كبير ادي ذلك الي اشتعال الحروب منذ فجر السودان الي اليوم، و بالتالي بتحقيق العدالة يجب اصلاح المنظومة الاقتصادية لادخال جزء كبير من السودان داخل مظلة الدولة، و الانتفاع من حقوقهم بما انهم مواطنين لهم حقوق و يقومون بتنفيذ الواجبات.
يرى بكرى الجاك المدني، أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونغ آيلاند بنيويورك الإصلاح المؤسسي الحقيقي يجب أن يرتبط بالسياق السياسي الثقافي والاجتماعي، وأن يتم تكراره لضمان رسوخه كما يجب أن يخاطب مشكلة بعينها، يضيف ان الإصلاح المؤسسي، بعض القائلين به يقصدون إصلاح الخدمة المدنية وإصلاح المنظومة العدلية من نيابة، وقضاء وأجهزة أمنية من شرطة وقوات نظامية وغيرها.
يقول بكري، في تقديري أن خطاب الإصلاح المؤسسي بشكله الحالي غير أنه يبسط تعقيدات سياق الدولة السودانية بشكل مخل، إلا أنه يتعامل مع عملية الإصلاح بطريقة مبسطة، وفوقية ويختزلها في بنايات نظيفة تحيط بها أشجار خضراء أو مطار مؤسس على معايير عالمية وبه مرافق نظيفة.
طبعا لا غبار على أن يحلم الناس ببنايات عالية ونظيفة ومطار بمعايير دولية، إلا أن الحديث عن الإصلاح المؤسسي في الوقت الراهن أفضل ما يمكن أن يقدم وكما تنبأ بروفسير آندروز هو إرسال رسائل للخارج لاستيفاء شروط جلب مساعدات خارجية لكنه لا يخاطب أسباب الفشل التاريخي لمؤسسات الدولة السودانية.
يضيف ان البناء المؤسسي يعني بناء قدرات أنظمة الدولة للاضطلاع بمهامها، وهذا يشمل البناء الدستوري بما يشمل الفصل بين السلطات، وما يؤسس لقضاء مستقل، وسيادة حكم القانون، واستقلال البنك المركزي عن القرار السياسي. بالطبع هنالك مجموعة قواسم مشتركة بين كل هذه المؤسسات ويأتي على رأسها خدمة مدنية فعالة بعقيدة وظيفية.
هذه الخدمة المدنية الفعالة تستمد مشروعيتها وكينونتها من الدستور الذي يحدد علاقة الفرد بالمجتمع والدولة وعلاقة الدولة بالمجتمع وفق عقد اجتماعي متوافق عليه. وتشتمل عملية البناء المؤسسي على نوعين من النشاطات هي بناء المنظمات التي تمكن من رفع كفاءة، وفعالية أجهزة الدولة المختلفة، وتفعيل قنوات تستهدف آليات التغيير التي تنظم المجتمع والحياة الاجتماعية ككل.
يقول الكاتب والباحث لوكا بيونغ دي كول في ورقة له، بعنوان إصلاح القطاع الأمني في السودان، الحاجة إلى وضع إطار عمل، ويحتاج السودان إلى استراتيجية امنية وطنية لتوجيه اصلاحات قطاعه الأمني، من اداة قمع لادامة النظام القديم ،الي قوة مهنية تحمي المواطنين في ظل نظام ديمقراطي، ويفسر ستُشكِّل الخيارات التي اتُخذت في معالجة أولويات أي انتقال سياسي ووتيرته وتسلسله الدرجة التي ستتم بها إزالة الفجوات على نحو فعال فيما يتصل بتفكيك النظام الاستبدادي القديم واستبداله بنظام ديمقراطي جديد.
يوضح لوكا ان هذا ينطبق بشكل خاص على قطاع الأمن، لأنه يجب أن ينتقل من أداة القمع لإدامة النظام القديم إلى أداة تحمي المواطنين في ظل الديمقراطية، وفي حالة السودان، هناك عدد من المسائل التي تشكل عملية إصلاح قطاع الأمن موضع اعتبار خاص، مشيرا الي الاصلاح والتكامل، ام القطاع الامني الذي انشأه نظام الرئيس السابق عمر البشير مجزأ للغاية وكبير بشكل استثنائي، اذا بتألف مما يقدر بنحو ٢٢٧٠٠٠ فرد، بعيدًا عن مختلف الجماعات المسلحة المنتسبة إليه.
ويُنظر إلى العديد من هذه الوحدات على أنها غير مهنية، وعلاوة على ذلك، ومع انخفاض النفقات العسكرية من ذروتها خلال الحرب الأهلية الطويلة مع جنوب السودان، فإن النفقات العسكرية ما تزال تمثل ما يقرب من ١٠ في المائة من الميزانية الوطنية، فضلاً عن انخراط الجيش بشكل كبير في أجزاء أخرى من الاقتصاد.
محاسبة المسؤولين عن الجرئم السابقة قبل اجتماع برلين، أصدرت هيومن رايتس ووتش وثيقة أسئلة وأجوبة حول خيارات السودان لتعزيز العدالة في الجرائم الدولية الخطيرة، أوضحت هيومن رايتس ووتش أهمية العدالة في جرائم الماضي، وضرورة الإصلاح في القانون والممارسات السودانية التي تعوق محاسبة المسؤولين.
تحثّ المنظمة الجهات المانحة على مناقشة الخبرات والمساعدة، التي قد تكون متاحة لدعم جهود السودان من أجل محاسبة المسؤولين عن الجرائم السابقة المرتكبة في جميع أنحاء البلاد، والضغط على السلطات السودانية للانخراط مباشرة مع “المحكمة الجنائية الدولية” دون تأخير لمناقشة خطوات محددة نحو التقدم في ملاحقة قضايا دارفور في المحكمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه لكي يترسخ الانتقال، هناك حاجة ملحة أيضا إلى خطة شاملة لإصلاح الجيش، وقوات الدعم السريع، والشرطة، والقوات الرديفة، و”جهاز الأمن والمخابرات الوطني” ذي الأذرع الممتدة (الذي أعيدت تسميته بـ “المخابرات العامة”، لكنه ما يزال يعمل).
طالبت هيومان رايتس ووتش أن تشمل الإصلاحات إنشاء أنظمة مساءلة ضمن القوات ووضعها تحت إشراف مدني، ينبغي للسلطات أيضا التحقيق في الصلات المزعومة بين قوات الأمن وشبكة من الشركات المملوكة للدولة التي تسيطر عليها الأجهزة العسكرية والأمنية، والتي كانت موضوع تقارير مختلفة، ويزعم أن بعضها موّل قوات الدعم السريع حتى وهي ترتكب انتهاكات ضد المدنيين.
قالت جيهان هنري، مديرة قسم شرق أفريقيا في هيومن رايتس ووتش ’’ بعد عام تقريبا على المرحلة الانتقالية في السودان، لم نشهد سوى تقدم ضئيل جدا بشأن العدالة والإصلاحات الرئيسية، ينبغي لقادة السودان وشركائه الدوليين استخدام الفعاليات الدولية للتخطيط للتقدم على عدة جبهات في آن واحد، بحيث يصحح الانتقال مسار الحكم والحقوق في البلاد‘‘.
قالت هنري ’’ مجرد كون الإصلاحات طموحة وطويلة الأمد لا يعني أنه يجب تأجيلها أكثر، ينبغي للسلطات تنفيذ التزاماتها بالعدالة، والإصلاح بدعم كامل من الشركاء للمساعدة في هذا الانتقال، ينبغي ألا تبدَّد هذه الفرصة الفريدة لجعل حقوق الإنسان والعدالة حقيقة للشعب السوداني‘‘.
تم إنتاج هذا التقرير، الذي نُشر في الأصل في صحيفة سودان بوست، من خلال تعاون وايامو المستمر مع شبكة من الصحفيين السودانيين كجزء من مشروعها المستمر “بناء قدرات المجتمع المدني وقطاع العدالة في السودان” الذي تم إطلاقه في مارس ٢٠٢٢. ويهدف المشروع إلى تعزيز قدرة المجتمع المدني والجهات الفاعلة القانونية في السودان أثناء مشاركتهم في عملية العدالة الانتقالية. ويتم تدريب الأفراد على القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، ويتم تزويدهم بالمعرفة اللازمة للتعامل مع قضايا الجرائم الخطيرة التي تعرض على المحاكم، بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية.