يتواصل انقطاع الاتصالات الهاتفية والإنترنت في مناطق واسعة بالسودان، خاصة في كل من ولاية الجزيرة وإقليم دارفور والعاصمة الخرطوم، وذلك وسط أنباء عن عودتها في بعض المناطق.
وتشير الأنباء إلى حدوث انتهاكات واسعة للمواطنين بما فيها حالات اغتصاب في حق النساء، ويتحدث نشطاء في حقوق الإنسان عن أثر انقطاع الاتصالات والمتمثل في غياب توثيق الانتهاكات، والذي قد يشجع على ارتكاب المزيد منها، بجانب صعوبة تحقيق العدالة، وطمس آثار الجرائم والتحقيق مع مرتكبي الانتهاكات.
فيما تقول عضو محامي الطوارئ المحامية نون كشكوش إن انقطاع الاتصالات و غياب الإنترنت حرم الناشطين في مجال حقوق الإنسان من جمع المعلومات ورصد الانتهاكات التي جرت خلال الحرب، خاصة في ولاية الجزيرة، و أضافت لــ “الترا سودان” أن غياب الاتصالات أعطى غطاءًا للانتهاكات الواسعة التي حدثت ومازالت تحدث في الولاية، مشيرة إلى أن الانقطاع من العالم شجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين، حيث تم اجتياح أكثر من ٤٠ قرية، بجانب حدوث حالات اغتصاب و اختطاف للفتيات من تلك القرى على حد قولها.
وأضافت كشكوش غياب الإنترنت يصعب جهود الحماية و تقديم المساعدة للناجيات من العنف الجنسي، بما فيها الاغتصاب الذي يستوجب بروتوكول علاجي في وقت وجيز، تجنبًا لحدوث حمل غير مرغوب فيه ناتج عن الاعتداء الجنسي، بجانب الإصابة بالأمراض المنقولة جنيسيًا مثل الإيدز، ويحول غياب الاتصالات دون تعرض الناجيات لجميع هذه المخاطر حسب ما أفادت.
وحول تأثير غياب القطاع على التوثيق للجرائم المرتكبة من طرفي النزاع تقول كشوش: “مواطن ولاية الجزيرة ليس لديه تجارب سابقة في الحرب و حدوث الانتهاكات وكيفية توثيقها، لذلك تكون معرضة للتلف وهذا يعيق عمل العدالة لاحقًا “.
وعن غياب الاتصالات والإنترنت في إقليم دارفور يفيد عضو هيئة محامي دارفور القانوني عز الدين مربوع بأن الإقليم عزل بشكل كلي عن ولايات السودان الأخرى و العالم، منوهًا أنه كان منطقة تشهد حروبًا لسنوات طويلة.
ويضيف مربوع لــ”لترا سودان” أن الإقليم عانى من ضرر جزئي لقطاع الاتصالات في حرب العام ٢٠٠٣، وخلال تلك الفترة استطاع الفاعلين من جمع كثير من الأدلة ورصد الانتهاكات، بخلاف الحرب الحالية والتي كان تأثير انقطاع الاتصالات فيها أكبر.
ويردف مربوع أن البنيات التحتية لقطاع الاتصالات تدمرت نتيجة المعارك، الأمر الذي لديه بالغ الأثر في عمليات التوثيق ورصد الانتهاكات على الأرض، حيث توجد صعوبة في التواصل مع النشطاء للوصول إلى المعلومة، أو الإبلاغ عنها في ظل غياب تام لأجهزة العدالة في الإقليم، و لجأ الكثيرون إلى طريق بديل لتوفير الاتصال عبر شبكة إنترنت بديلة مثل ستارلنك المرتبطة بالأقمار الصناعية، ولكنها مرتفعة التكلفة وغير متوفرة في نطاق واسع من المنطقة، وبالرغم من ذلك ساهمت في توفير خدمة الإنترنت واستطاع بعض الناشطين من استخدامها في رصد الانتهاكات وإيصالها للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
يضيف مربوع أن انقطاع الاتصالات لديه تأثير مستقبلي في عملية جمع الأدلة ورواية الشهود،ويعتبر حفظ الأدلة أحد أكبر المشكلات التي تواجه الناشطين، مما أسفر عن ضياع الكثير من الأدلة، وأشار إلى أن عددًا من الشهود اختفوا قسريًا، بينما توفي آخرون جراء الحرب، وينعكس ذلك بشكل سلبي عند اللجوء للقضاء مستقبلًا، سواءً كان محليًا أو دوليًا.
فيما يقول عضو لجان مقاومة بحري محمود إدريس، إن غياب الإنترنت زاد من الأزمة الاقتصادية، خاصة التحويلات البنكية التي كان يعتمد عليها بشكل أساسي في تمويل عمل المطابخ المشتركة في المنطقة، و التي يعتمد عليها الآلاف من السكان الذين يعيشون وسط المعارك.
ويشير لـ “الترا سودان” إلى أن انقطاع شبكات الاتصالات خلق أزمة إنسانية، لافتًا أن بعض المناطق بدأت تشهد مجاعة بسبب توقف التدفقات النقدية للمواطنين، والذين كانوا يعتمدون عليها في شراء المواد الغذائية والأدوية والوقود من أجل تشغيل المولدات في المراكز الصحية بالمنطقة.
يقول مهندس الاتصالات محمد عادل لـ “الترا سودان” إن البنيات التحتية تضررت بشكل كبير، و تحتاج لأموال طائلة من أجل إصلاحها، فيما يشكل غياب الأمن صعوبات أمام فرق الصيانة للوصول للأبراج المتضررة، ويردف ” توجد حلول عبر أجهزة الاتصال الفضائي ستارلنك، ولكن تكلفتها باهظة تصل لأكثر من ١٠٠٠ دولار، بجانب استخدامها المحدود، بحيث لا يمكن أن تشكل بديل للاتصالات العادية التي تعتبر رخيصة الثمن مقارنة بستارلنك” .
يضيف عادل أن أشد المناطق ضررًا من انقطاع شبكات الاتصالات هي ولاية الخرطوم وإقليم دارفور وكردفان، ورغم جهود شركات الاتصالات في إعادتها لبعض المناطق في الولايات الشمالية، إلا أن مساحات واسعة تحتاج لفرق صيانة، بجانب وقود تشغيل المحطات، ولكن اشتداد المعارك صعب من الوصول إليها.
يصف المدافع عن حقوق الإنسان محمد نكروما الحصول على الاتصالات والإنترنت بأنه حق إنساني ومن معايير حقوق الإنسان، وله تأثيرات اقتصادية واجتماعية وأمنية.
فيما يخص العاملين في مجال حقوق الإنسان والتوثيق للانتهاكات يقول نكروما لـ “الترا سودان ” قطع الاتصالات يعني تغييب وصعوبة الحصول على المعلومات والبيانات المطلوبة للتوثيق، ويصعب من مهمة الموثق العامل في انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي تدور فيها النزاعات.
ويشير أنه في ظل التعتيم تزداد الانتهاكات، ويتطلب من الراصدين التواجد الميداني، وهذا يعرض حياتهم للخطر، كما يعرض البيانات والمستندات والإفادات المتحصلة لتهديد أمني، حيث يلجأ الموثق لحقوق الإنسان لكتابة البيانات في أوراق أو حملها في أجهزة كمبيوتر دون أن يتمكن من إرسالها لقاعدة بيانات آمنة، وبالتالي تكون هذه المستندات عرضة للتلف وخطر المصادرة من الأجهزة الأمنية .
يقلل غياب الاتصالات بحسب القانوني نكروما من عمليات المناصرة التي تقوم بها جمعيات حقوق الإنسان في المناطق النائية، والتي يصعب الوصول إليها ميدانيًا، مما يجعل أعدادًا كبيرة من الانتهاكات غير موثقة، وهذا يؤثر في عملية الحماية للضحايا، بجانب تحقيق العدالة في المستقبل، لأنه في حالة عدم التوثيق في الوقت الذي يقع فيه الانتهاك، تصير الكثير من الأدلة شفاهية و غير دقيقة، ولا تساعد في التحقيقات، بجانب مساهمتها في الإفلات من العقاب، وتعرقل عمل لجنة تقصي الحقائق المشكلة دوليًا، لأنها تعمد على جمع البيانات عبر الإنترنت.
ويضيف استخدام الوسائط البديلة للتواصل غير متوفرة في مناطق الانتهاكات، مثل أجهزة ستارلينك، كما أنها باهظة الثمن، وهذا يؤدي لغياب المعلومات ،مشيرًا أيضًا إلى أن هذه الأجهزة عرضة للمراقبة، ويستطيع أطراف النزاع في السودان التحكم في إدخالها ومكان تواجدها.