مع دخول الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان شهرها الثامن، وقعت انتهاكات عديدة على النساء منها حالات اختطاف واعتقالات واغتصابات. لا يوجد حصر دقيق لتلك الحالات، خاصة أن هناك حالات عديدة في مناطق الاشتباكات مع صعوبة رصدها وتوثيقها، إلى جانب الوصمة الاجتماعية التي تجعل أغلب الأسر تفضل الصمت وعدم كشف عن هذه الانتهاكات.في إطار ارتفاع العنف ضد المرأة، كشفت عضو المكتب التنفيذي لنقابة أطباء السودان الشرعية سابقا د. أديبة إبراهيم السيد عن ارتفاع حالات الاغتصاب المسجلة بالمرافق الطبية المختلفة الى ٣٧٠ حالة اغتصاب منذ ١٥ أبريل حتى الآن، مؤكدة على تسجيل ٦٣ حالة اغتصاب جديدة من بينهم أطفال بالمستشفيات المختلفة، بينها ٤ بمستشفى بشائر و٨ حالات بأم درمان، وحالتين لكل من مستشفى النور ومستشفى شرق النيل.
وكشفت أدبية عن تسجيل ٢٤٠ حالة اغتصاب في دارفور منها ١٣ حالة جديدة بالفاشر، ١٢ في الجنينة، ١٥ أخرى في نيالا، مؤكدة وجود أعداد كثيرة من حالات الاغتصاب لم تصل إلى المستشفيات خوفاً من الوصمة الاجتماعية. كما أكدت عن تسجيل ٨ حالات اغتصاب للأطفال تحت سن الـ ١٧. وأقرت بوجود تحديات تواجههم في العمل، منها النقص الحاد في الأدوية خاصة البروتوكول بعد مصادرته من منظمة أطباء بلا حدود، عدم ذكر المغتصبات لأسمائهم الحقيقية والمتابعة مع الأطباء لمدة ٣ أشهر لمنع الأمراض المنقولة جنسيا والحمل.
وشددت أدبية على ضرورة توعية المجتمع بالأخص أسرة الضحايا باعتبار أن الاغتصاب مرض لابد من علاجه وعدم توبيخ المغتصبة كأنما هي التي اختارت الذنب، وينبغي التضامن والتعاطف معها حتى تتجاوز هذه المرحلة عبر الجلسات العلاج النفسي.
عمليات إجهاض
من جانبها كشفت المحامية أنعام عتيق عن تسجيل ٢١ حالة اغتصاب جديدة تم توثيقها بالنيابة العامة في ود مدني اجريت لـ ٦ منها عمليات إجهاض وفقا للمادة ١٣٥ من القانون الجنائي السوداني لعام ١٩٩١، فيما لم يحدد القانون الجهة المختصة التي تعطي إذن الإجهاض، وتابعت “بعد مناقشات عديدة بين مجموعة المحامين تولت النيابة في ود مدني هذه الإجراءات”.
وأشارت إلى أن هناك خطوات تسبق عملية الإجهاض منها إحضار أرونيك ٨ وتحليل الحمل وصورة توضح عمر الحمل وتقرير للحالة العامة للناجية. وأفادت انعام أن هذه الاجراءات تأخذ أحيانا وقتا طويلا يصل إلى أكثر من ٤٠ يوم.ونذ اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، صدرت تقارير عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بالسودان، بوقوع حوادث عنف جنسي متصل بالنزاع، أثارت جدلًا في الأوساط السياسية بسبب إشارتها بوضوح إلى ضلوع عناصر من قوات الدعم السريع في معظم الانتهاكات الموثقة لدى الوحدة. فيما كشفت تقارير منظمات دولية عن انتهاكات مريعة للنساء والفتيات، دفعت بعض الدول الفاعلة في الشأن السوداني إلى إدانتها بشدة، متهمة قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة له بارتكاب معظمها.وانتقدت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بالسودان سليمي اسحاق (هيئة حكومية) عدم إيفاء الدولة والمجتمع الدولي بأبسط التزاماتهم تجاه احتياجات النساء السودانيات المتزايدة مع الحرب خاصة فيما يلي بآليات الحماية والاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.وأشارت مديرة الوحدة في بيان، بمناسبة حملة الـ ١٦ يوما لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى تزامن الحملة مع الحرب الأليمة التي تدور في السودان وما خلفته من آثار إنسانية كارثية على المدنيين، لا سيما جرائم العنف الجنسي المتصل بالنزاع التي وثقتها الوحدة وشركاؤها في مناطق مختلفة من أنحاء البلاد. وتستمر حملة الـ ١٦ يوما لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، أي في الفترة من ٢٥ نوفمبر وحتى ١٠ ديسمبر القادم.
وأوضحت أن النساء والفتيات في السودان في هذه الفترة العصيبة يدفعن الفواتير الباهظة للحرب، ويتحملن مسؤوليات صناعة السلام وبناء المجتمعات، مع أعباء اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل حاجتهن الشديدة إلى مساحات آمنة غير متوافرة حتى اللحظة.
وأضافت في بيانها أن مع ما تتعرض له النساء والفتيات في السودان خلال الحرب من انتهاكات جسيمة لا سيما الجنسية زادت الحاجة إلى تعزيز آليات الحماية وآليات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في أنحاء البلاد، فضلا عن توفير احتياجات النساء والفتيات الأساسية وصون كرامتهن.
وشددت على أن أولوية وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان خلال حملة الـ ١٦ يوما التي تأتي هذا العام تحت شعار: “فلنتحد جميعا لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات”، هي إبراز الاحتياجات الأساسية للنساء والفتيات في السودان ولا سيما النازحات، والنساء والفتيات في مخيمات اللجوء في شتى البقاع خاصة في منطقة “أدري” الحدودية في تشاد.مؤتمر للتضامن النسوي
وفي العاصمة الكينية نيروبي اختتمت، الخميس، جلسات مؤتمر التضامن النسوي الأفريقي مع السودان الذي رمى لتسليط الضوء على العنف والانتهاكات والجرائم التي وقعت خلال الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.وقالت المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة” هالة الكارب في مؤتمر صحفي بختام المؤتمر إنه من الضروري إدارة حوارات بين جميع النساء تتجاوز التباينات للذهاب إلى الأمام عبر أجندة واحدة.
واكدت ضرورة خلق مجموعات وأجسام نسوية للحديث عن الواقع ورصد حجم الفظاعات حتى تصل لكل العالم، فضلا عن التواصل مع كل الجهات.ودعا البيان الختامي للمؤتمر التضامن النسوي الأفريقي مع السودان إلى تأسيس محكمة للتعامل مع جرائم الحرب المرتكبة مع التركيز على العنف ضد النساء والفتيات لضمان تحقيق العدالة والتعامل بجدية مع قضايا العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي وتناوله في العملية السياسية باعتباره قضية جوهرية بما في ذلك المحاسبية والعدالة الانتقالية وجبر الضرر.
وطالب بـ ”اتخاذ إجراءات دولية لوقف تدفق الأموال غير المشروعة وأنماط الاقتصاد التي تسهم في الإثراء غير المشروع للمسؤولين عن جرائم الحرب”.
كما أكد ضرورة وضع آليات حماية تراعي النوع الاجتماعي وتضمن وصول المساعدات الإنسانية للناجين والمتضررين من الحرب، كما تضمن عدم قمع وإرهاب أصوات ومطالبات النساء والمجتمع المدني.
وشدد على ضرورة التنفيذ العاجل لقرار بعثة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان للتحقيق في الفظائع التي وقعت أثناء الحرب، كما يجب على البعثة مراعاة النوع الاجتماعي واستشارة المنظمات التي تقودها النساء لتقديم الدعم وتوثيق الانتهاكات على الأرض.
وناشد الاتحاد الأفريقي لاتخاذ اجراءات فورية وحاسمة بما في ذلك التدخلات الدبلوماسية التي تهدف إلى تسهيل وقف الأعمال العدائية وإنشاء بعثة للتحقيق في جرائم الحرب.
وشدد على تحميل المجموعات المسلحة المسؤولية عن الانتهاكات الجماعية وتجنب منحها الحصانة كصفقة للاستقرار قصير الأجل مما يؤدي إلى استمرار دوائر النزاع الدامي.
وأشار إلى ضرورة مشاركة النساء والمجموعات الفاعلة والقيادية في كل مراحل العمليات السياسية المتعلقة بفض النزاعات والسلام في السودان إلى جانب توفير تمويل مستدام للمجتمع المدني ومنظمات حقوق النساء العاملة في مناطق النزاعات وفي وسط مجتمعات اللاجئين والنازحين.
يشهد السودان منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، قتالاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع بدأ في العاصمة وتمدد ليشمل مناطق واسعة في دارفور وكردفان، ورافقت العمليات الحربية بين طرفي النزاع انتهاكات واسعة تعرض لها المدنيين شملت القتل والاعتقال والتهجير من المنازل بعد احتلالها من عناصر قوات الدعم السريع وتحويلها لثكنات عسكرية، وذلك في ظل صعوبة رصد هذه الانتهاكات وتوثيقها إلى جانب الوصمة الاجتماعية التي تجعل أغلب الضحايا تفضلن الصمت وعدم كشف عن هذه الانتهاكات.
وتتهم قوات الدعم السريع، بارتكاب جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، ولكن قادتها ظلوا ينفون مرارا تورط عناصرهم في مثل هذه الجرائم ويتهمون الأجهزة الأمنية والجيش بالوقوف وراء تشويه صورة قواتهم.