يري المراقبون، أن هناك أهمية لدور المحاكم الدولية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وأن الغرض من إنشائها يجب أن يحقق أهدافاً إنسانيةً ساميةً، كي لا تكرّر المأسّاة عليهم مرة أخري، وفي حال التزام هذه المؤسسات بالقوانين الدولية والواجبات المتعلقة بالمحاكمات، هنا يتوقف الدور الإيجابي للحقوقيين، والناشطين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، في انجاز مراحل الرصد، والمتابعة، والتحقيق في هذه الانتهاكات، تسهيلا لرفعها إلـى الجهات ذات الاختصاص في الأروقة الدولية والإقليمية في الوقت المناسب. في الحالة السودانية، يأمل السودانيون أن يجد الأطفال الحماية الكافية أثناء الحرب الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وألا يكونوا عرضة للانتهاكات المباشرة وغير المباشرة من طرفي الصراع.
يجب اعطاء اعتبار لدور مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، كتجنيدهم للمشاركة في الحرب، إضافة إلى ذلك يجب عدم إغفال جانبا من وجود تحديات محتملة في إحالة القضايا إلى المحاكم الدولية، تتمثل في عدة أشياء، منها، الآثار السياسية، ومعايير الإثبات، والاختصاص القضائي، في وقت لا يزال الأطفال السودانيون معرّضين لإساءات وانتهاكات جسيمة؛ مثل: القتل، والتشويه والاختطاف، والتجنيد كمقالتين، والعنف الجنسي، والحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية تعليمية ورعاية وصحية.
إن الدور المحوري للمحاكم الدولية، هو حماية حقوق الأطفال ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم، لأنهم يتمتعون بحماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة، حيث تعتبر اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية استهداف الأطفال وتجنيدهم من الانتهاكات الجسيمة. كما يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم المرتكبة ضد الأطفال بأنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
تركز المحكمة الجنائية الدولية الضوء على أهمية تسليط الضوء على الأطفال والاستماع إلى أصواتهم، على أمل أن يعزز ذلك عمل جميع الذين يسعون إلى تحقيق العدالة للأطفال المتضررين من الفظائع في جميع أنحاء العالم، وتدعو إلى الاعتراف بالأخطار التي يتعرّض لها الأطفال، والتأكد من أن القانون قادر على توفير الحماية لهم. تؤكد هذه السياسة على وجهة نظر المحكمة بجميع الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، التي قد تُرتكب ضد الأطفال أو تؤثر عليهم. تؤثر النزاعات على الأطفال بطرق مختلفة اعتمادًا على خصائصهم الشخصية، بما في ذلك العمر، والجنس، والإعاقة، والانتماء العرقي، والدين، والمستوى التعليمي والمعيشي. وفي مواجهة النظرة المتجانسة تقليديًا للأطفال، تهدف السياسة الجديدة إلى التفكير، والتكيّف بشكل فعال مع القضايا المتعلقة بمراحل نموهم المختلفة، وقدراتهم العقلية المتطورة.
ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية ضد الأطفال
توضح كريستين بيكر – وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا، والمهتمة في أبحاث حقوق الإنسان – أن المحكمة الجنائية الدولية تعترف بشناعة جريمة تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراع المسلح، ويجب العمل علي محاكمة مرتكبيه، مشيرة إلى تأكيد التهم في قضية المدعي العام ضد توماس لوبانغا دييلو في الدائرة التمهيدية الأولي للمحكمة الجنائية الدولية في يناير ٢٠٠٧ حينما قررت الدائرة بوجود أدلة كافية لإقامة أسس جوهرية بأن توماس لوبانغا دييلو مذنب، باعتباره شريكا في ارتكاب جرائم الحرب المتمثلة في تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في الجبهة الشعبية لتحرير الكونغو(الجناح العسكريي لاتحاد الوطنيين الكونغوليين)، واستخدامهم في المشاركة في الأعمال العدائية.
وفي عام ٢٠١٢، قضت المحكمة الجنائية الدولية بالسجن ١٤ عاما على قائد الميليشيا الكونغولي السابق توماس لوبانغا، الذي ثبتت عليه تهم ارتكاب جرائم حرب في شمال شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٣. وكان لوبانغا قد أُدين باستخدام أطفال كجنود خلال الحرب الأهلية في إيتوري في نفس الفترة، وفي قتها قال القاضي أدريان فولفورد خلال جلسة علنية في لاهاي إن “لوبانغا حُكم عليه بعقوبة السجن ١٤ عاما”، موضحا أن مدة توقيفه الاحتياطية منذ العام ٢٠٠٦ سيتم احتسابها من العقوبة، وبذلك، تكون المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت أول حكم في تاريخها في عملية ذات صلة بالمشاركة في الأعمال العدائية.
في ذات السياق، توضح كريستين، إن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قدمت تفسيرا تفصيليا وواسعا للقضية إلى حد مّا، فمصطلح ” المشاركة في الاعمال العدائية”، لا يقتصر علي المشاركة في القتال، تري الدائرة، إن قرارها بشأن لوبانغا وتأكيد الاتهامات ضده، اُتخذت بنفس النهج الذي اتبعته المحكمة الخاصة لسيراليون، بما في ذلك استخدام الأطفال للتجسس، والاستطلاع والتخريب؛ هذا التفسير الواضح يؤكد علي تحمل المتهم مسؤولية جريمة استخدام الأطفال في المشاركة بنشاط في الأعمال العدائية.
يقول المحامي والباحث القانوني عبدالباسط الحاج، “إن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال في سياق النزاع، تُصنّف على أنها جرائم حرب، وربما تكون جرائم إبادة جماعية، وإذا كان الاستهداف للأطفال بشكل محدد، يمكن أن يكون جريمة إبادة جماعية” مضيفا “عندما هاجمت ميليشيا الجنجويد مدينة الجنينة، في الأحياء التي تسكن فيها القبائل الإفريقية (المساليت) والمجموعات العرقية الأخرى، كان الاستهداف ضد الرجال والأطفال الذكور، وهذه الاعمال تُصنّف على أنها جرائم، ويمكن تقديم مرتكبيها إلى محاكمات دولية، والتقاضي فيها دوليا، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الخاصة، والولاية القضائية العالمية. وفي إطار حديثه عن الانتهاكات، يوضح عبدالباسط، إن من ضمن الانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال في دارفور خلال حرب ٢٠٠٢ – ٢٠٠٣، التهم الموجهة لعلي كوشيب، والمتهمين الآخرين بشأن الانتهاكات التي وقعت هناك وخاصة على الأطفال، مضيفا، إن الوقت الراهن تقع جرائم ضدهم، كالتجنيد االقسري، والاجبار على القتال، والتعذيب، مضيفا أنه في حال توثيقها بشكل كافي، يمكن أن يجد أطفال السودان فرصة سانحة في المحاكم الدولية.
يري الناشط في المجتمع المدني آدم يعقوب، إن العاملين في منظمات المجتمع المدني السودانية، والحقوقيين، يقع علـى عاتقهم عمل كبير في سبيل الرصد والتوثيق في ملف الانتهاكات، التي تقع علـى الأطفال السودانيين، ويجب أن تُرفع هذه الملفات إلى المحاكم الدولية والإقليمية، وكشف المتورطين في هذه العمليات غير الإنسانية، وذلك في ظل وجود أطراف عديدة متورطة ومنخرطة في عمليات مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة. ويطالب آدم، بمحاسبة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، سواء كانت قيادات أهلية، أو طرفي صراع، وكل من ثَبتَت مشاركته في حملات التجنيد الاجبارية أو الاختيارية أمام المحاكم الدولية. وبحسب آدم، فإنه من الضروري أيضا أن تكون محاسبة المتورطين من الأجندة الجوهرية ما بعد إيقاف الحرب. ويعتقد آدم، بأنه لم تتم محاسبة المتورطين في الانتهاكات ضد الأطفال السودانيين منذ عقود، ويجب أن يكون الأمر مختلفا هذه المرة، ومقنع لهؤلاء الضحايا في نفس الوقت.
يري ادم أيضا، إن هناك تحديات وعقبات محتملة، خاصة في حال رفض النظام الحاكم في الدولة المعينة التعاون مع تلك الجهات المختصة، فيما يعتبر النظام تحركاتها أغلب الأحيان تدخلا سافرا في الشأن الداخلي للبلاد، وتقويضا للسيادة الوطنية؛ مثل ما حدث في السودان، عندما رفض الرئيسي السودان السابق عمر البشير التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة في إقليم دارفور (غربي السودان). فكل هذه العوامل وغيرها، تمثل تحديا واضحا أمام تحقيق أي نوع من المحاسبة لتحقيق العدالة، أو لحماية للأطفال سواء في السودان أو في أي دولة أخري، لاسيما وأن الحكومات المستبدة دائما ما ترفض ذلك تحت ذريعة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وأن أجهزتها قادرة على القيام بواجبها تجاه المواطنين من دون إملاءات خارجية.
يقول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إن مكتبه أطلق سياسة جديدة بشأن اشراك الأطفال في المحاكم كضحايا وشهود لمعالجة النقص التاريخي في تمثيلهم، وعدم مشاركتهم في عمليات العدالة الجنائية الدولية، ويوضح خان، بأن هذه السياسة تمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق منهج يراعي الطفل في التحقيقات، والملاحقات القضائية من خلال النظر بشكل صريح إلى تجاربهم في جميع القضايا التي تتبعها المحكمة الجنائية الدولية.
وبحسب خان، تعمل المحكمة على ضمان اشراك الأطفال كضحايا وناجين وشهود، مؤكدة التزامها بإنشاء بيئة مؤسسية تساهم في تسهيل التحقيق، والملاحقة القضائية الفعالة للجرائم المرتكبة ضد الأطفال من خلال التدريب، والتعاون الخارجي، والتنفيذ الهادف، وتدابير الرصد والتقييم، لاتباع نهج حقوق الطفل الذي يراعي احتياجات الأطفال، بهدف معالجة وجهة النظر التي تتمحور حول البالغين في المحاكم، بحيث يتم استبعاد الأطفال الى حد كبير من عملية العدالة.
أوضح مكتب المدعي العام أيضا، إن تحقيقاتهم بشأن الملاحقة القضائية للجرائم المرتكبة ضد الأطفال، تتضمن مناطق ودول مختلفة من بينها إقليم دارفور في السودان، وأفغانستان وبنغلاديش، وميانمار، ودولة فلسطين، مضيفا أن المحكمة أحرزت تقدما في تنفيذ هذا النهج، كما هو الحال في لوائح الاتهام بالترحيل غير القانوني، ونقل الأطفال.
يقول الكاتب والباحث رحيم كمال في ورقة بحثية له بعنوان “دور المحكمة الجنائية الدولية في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة الداخلية” إن وجود المحكمة الجنائية الدولية تمثل آلية دائمة من أجل وضع حد للإفلات من العقاب، مشيرا إلى أن مرتكبي الجرائم عليهم أن يعرفوا مسبقا بأن إقدامهم على مثل هذه الأفعال سوف تُعرّضهم للمثول أمامها، لذا، فإن تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة من جرائم الحرب، وعلي المحكمة ممارسة اختصاصها على هذه الجريمة بعد توافر الشروط. وتطرق رحيم المطلب الأول من ورقته إلى شروط إدماج جريمة تجنيد الاطفال، والمطلب الثاني إلى شروط تحريك الدعوي الي المحكمة الجنائية الدولية.
يوضح رحيم في المطلب الاول فيما يتعلق بشروط إدماج جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات الداخلية ضمن اختصاص المحكمة، بالرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن هذا التجنيد جريمة حرب وفقا لما تنص عليه المحكمة في الفقرتين ب وهـ من المادة ٨ من النظام الأساسي للمحكمة، حيث تعتبر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشر من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال الحربية يشكل انتهاكا خطيرا للقوانين والأعراف الدولية السارية.
في ورقة للدكتورة بختة لعطب الطيب، بعنوان “جرائم الحرب المرتكبة في حق الأطفال وفقا للنظام الأساسي لمحكمة روما”، تري بأن الأطفال هم الأكثر عرضة للانتهاكات؛ بسبب إشراكهم في النزاعات من قبل الأطراف المتصارعة، وعلى هدا، عدّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لروما في مادته الــ ٨ تجنيد الأطفال من قبيل جرائم الحرب المستوجبة للمسؤولية والعقاب. تشير بختة إلى أنواع جرائم الحرب المرتكبة في حق الأطفال خلال النزاع المسلح وفقا لنظام روما الأساسي في مبحثها الأول” جريمة تجنيد الأطفال واستغلالهم لهدف حربي”، يستدعي تضافر الجهود الدولية من أجل تنظيم حقوق الأطفال في زمن النزاعات المسلحة، وحظر اشتراكهم في العمليات العسكرية، ويُقصدُ بالطفل المجند المرتبط بقوة مسلحة أو جماعة مسلحة دون الثامنة عشر من عمره.
في ورقة بعنون ” فاعلية المحكمة الجنائية الدولية في حماية الأطفال من التجنيد” في المحور الأول، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، نظرا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بصفة عامة والأطفال بصفة خاصة، تم انشاء المحكمة الجنائية الدولية كأول هيئة قضائية تعني بحماية هذه الحقوق؛ نظرا لما تمتاز به من سمات تميزها عن غيرها من المحاكم، حيث تمارس الأخيرة اختصاصها في الجرائم الواردة في نظامها الأساسي وفقا لشروط محددة، من بينها أن تكون الجريمة داخلة ضمن اختصاصها الموضوعي، وهو ما ينطبق علي جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة.
إضافة إلى ذلك، يجب معرفة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية للنظر في جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، وتعتبر جرائم الحرب من أقدم الجرائم الدولية التي حاول المجتمع الدولي تحديدها من خلال المواثيق الدولية، ومن أهمها اتفاقيات لاهاي من ١٨٩٩ أو عام ١٩٠٧، وأيضا اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩، وكذلك البروتوكولات الإضافية لعام ١٩٧٧، حيث وضعت قواعد يتعين احترامها من أطراف القتال، وهناك العديد من الأفعال التي تشكّل جريمة حرب ومن بينها تجنيد الأطفال دون سن الـــ ١٥ في النزاعات المسلحة.
حسب مبادي باريس ١٩٩١ التي تم اعتمادها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٣، إن القواعد والمبادئ التوجيهية بشأن الأطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، يحق لجميع الأطفال الحصول علي الحماية بموجب مجموعة كبيرة من الصكوك الدولية والإقليمية والقومية، وتعد اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩، من بين صكوك حقوق الإنسان، باعتباره صك حظي بالتصديق على أوسع نطاق، وتظل الدول المسؤولة بصورة رئيسية عن حماية جميع الأطفال الخاضعين لولايتها.
تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة قضائية لمحاكمة الأفراد على الجرائم المرتكبة ضد الأطفال أثناء النزاع في السودان، كما أن السودان ملزما بقانون حماية الأطفال أثناء النزاعات، باعتبارها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في أغسطس ١٩٩٠ مع تجدد التزامها العام بدعم حقوق جميع أطفال السودان، حتى ينموا ويتمتعوا بحقوقهم ويساهموا في بناء مجتمعاتهم.