يسعى المجتمع الدولي في الفترة الأخيرة لممارسة ضغوط على أطراف الصراع في السودان من أجل إيقاف الحرب والتوصل لحلول سلمية. وفي هذا الإطار واصلت الولايات المتحدة الأمريكية في إصدار عقوبات على داعمي استمرار الحرب، حيث أعلنت زارة الخارجية الأمريكية إدراج أحمد محمد هارون، القيادي السابق بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في قائمة مجرمي الحرب راصدة مبلغ قدره ٥ ملايين دولار كمكافأة للحصول على معلومات تؤدي إلى اعتقاله.نتيجة سجل طويل لأحمد هارون في الانتهاكات، أصبح مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية في إقليم دارفور بين عامي ٢٠٠٣ – ٢٠٠٤. عقب هروب أحمد هارون من سجن “كوبر” شديد الحراسة بعد اقتحام الدعم السريع للسجن، أصدر تسجيل صوتي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيه الإسلاميين بالانخراط في الحرب ودعم الجيش.
من جهتها، أعلنت هيئة محامي دارفور، أنها ستنظر الإجراءات التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية بشأن المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية أحمد هرون، وذلك بحثا عن مدى جدوى التدابير والإجراءات، التي تصدر من وقت لآخر من بعض مؤسسات العدالة الدولية بشأن مكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتبطة بالسودان بما في ذلك الخطوة الأخيرة من وزارة الخارجية الأمريكية، فيما أكدت الهيئة في تصريح صحفي، أنها تثمن التدابير والقرارات والإجراءات التي تصدر من المؤسسات الدولية لمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب بالسودان، مشيرة إلى أن هذه التدابير والإجراءات ظلت في السابق بلا قيمة فعلية على أرض الواقع.
فيما يرى المحامي بالمركز الإفريقي للعدالة و دراسات السلام محمد بدوي، بأنه كان هناك تحديات للقبض على أحمد هارون من قبل الولايات المتحدة الامريكية، والمحكمة الجنائية الدولية مرتبطة بطبيعة عمل المحكمة التي تعتمد على تعاون الدول الأعضاء، وبالتالي فإن هذا الوضع ظل التحدي الأساسي من ٢٠٠٩ الي ٢٠١٩م واستمر الحال عقب أبريل ٢٠١٩ خلال الفترة الانتقالية رغم زيارات لمسئولين رفيعين من المحكمة للسودان، وفتح مكتب للمحكمة بالخرطوم، لكن عدم الرغبة الإسلاميين والعسكريين الذين كانوا يسيطرون على مفاصل السلطة لتسليم المتهمين، ومن ثمّ حالة عدم الاستقرار التي نتج عنها انقلاب عام ٢٠٢١ حالت دون ذلك.
في إطار تحولات الموقف، يقول بدوي لـ ‘(السودانية)، أن تغيرات حدثت في مواقف بعض المجموعات ولا سيما القوي الموقعة على اتفاق “جوبا” للسلام بالرغم من وجود نص في الاتفاق بالتعاون مع المحكمة، لكن ذلك لم يحدث، بجانب الضعف الذي اعتري بموقف المدنيين الذي لم يمكِّن من مساندة المحكمة، حيث شكلت طريقة القبض على كوشيب مؤشرا في عدم الرغبة في التعاون من داخل السودان مع المحكمة. وأضاف بدوي أيضا، أنه بالرغم من وجود ثلاثة آخرين من المطلوبين رهن المحاكمة في ملفات أخري، إلا أنهم كانوا في مأمن من الملاحقة حتى جاءت حرب أبريل ٢٠٢٤، التي مكّنتهم الفرار من السجن، كما إن حالة الحرب نقلت العاصمة من الخرطوم إلى بورتسودان مع وجود مناطق تحت سيطرة الدعم السريع والمناطق التي تتحكم بها بعض الحركات مثل مناطق نيىتتي وقولو، التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، لذلك لا تُوجد سلطة مركزية قادرة على تنفيذ القرار للقبض على المتهمين في البلاد.
وحول تأثير العلاقات الدولية، يقول بدوي، إن المحكمة ظلت لفترة طويلة تعتمد على مبدأ التعاون من قبل الدولة، لكن عقب الحرب حدثت تحولات في العلاقة بين طرفي الحرب، بينما المجتمع الإقليمي فشل عبر تصورات غير سليمة بأن حل الأزمة سيتم عبر منابر مخصصة للطرفين، مما أدى إلى إضاعة الفرصة وخلق تعقيدات كبيرة، بما في ذلك التراجع في الحالة الإنسانية، ما جعل الأجندة برمته يرتبك أكتر فأكثر، حيث يتحدث الكل عن أولوية وقف الحرب وإطلاق النار اللذان باءا بالفشل.
يشير بدوي أيضا إلى أنه من الوارد، حدوث تحولات في موقف الدول الأعضاء بالمحكمة، والتي تربطها علاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، وأضاف، أنه يجب أن لا ننسى بأن موقف أمريكا من المحكمة وباعتبارها ليست عضوا فيها أدى إلى عدم ضمان وملاحقة المجرمين وتعاونها مع المحكمة في بعض الحالات، بينما انسحبت بعض الدول من المحكمة كروسيا، كما إن موقف بعض الدول الإفريقية ساند الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير عند إصدار أمر القبض عليه، مشيرا إلى وجود محاولات جدية من جماعات حقوقية – آنذاك – لحمل كل من كينيا وجنوب افريقيا للوفاء بالتزاماتها تجاه المحكمة الجنائية بالقبض على البشير عند دخوله على أراضيها باعتبارهما عضوين في المحكمة.
وصف الخبير والمحامي في العلاقات الدولية حاتم إلياس، القرار الأمريكي بخصوص أحمد هارون بالخطير والمؤثر وبهذا القرار تمثل أمريكا الشرطي العالمي لتنفيذ قرار القبض وهو الدور الذي يفترض أن يقوم به مجلس الأمن الدولي، مضيفا بأن هنالك فرص تعاون دولي في إطار الولاية القضائية للقبض على المتهمين.
وأكد حاتم لـ(السودانية)، إن القرار الأمريكي يأتي في سياق تتبع القاعدة القانونية التي تقول: “تنفيذ القانون واجب على الجميع” ومن خلال مسؤولياتها كدولة عظمى في تطبيق القانون الدولي، وأن تصبح شريك في تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، التي لا تملك شرطة أو أي أدوات لتنفيذ قراراتها يزيد من عزلة الإسلاميين ويقلل فرصهم في العودة للمشهد السياسي مرة أخرى.
وفي سياق فقدان الحماية يقول المحلل السياسي ماهر أبوجوخ، إن فرص القبض علي أحمد هارون وقيادات النظام البائد داخل السودان مرتبط بافتراض أساسي وهو: فقدان غطاء الحماية المتوفر لهم من قبل سلطة الحرب الموجودة في بورتسودان، والتي اتضح بأنها وفّرت الحماية منذ إسقاط النظام للإعاقة غير المباشرة لمسألة تسليم هارون رغم قرار الحكومة الانتقالية المصادقة على انضمام السودان للمحكمة الجنائية الدولية في أغسطس ٢٠٢١م.
ويضيف أبوجوخ لـ(السودانية)، بوجود سيناريو آخر ، وهو: القبض على هارون عبر عملية إنزال خاصة من قوات خاصة تابعة لدولة أجنبية، لكنه ضعيف الحدوث لعوامل كثيرة، لأن هذا الأمر يتطلب توفر معلومات علي الأرض لضمان النجاح الكامل للعملية، غير أن هذا الأمر مستبعد خوفا من ردة فعل تكون نتيجتها ارتفاع وتيرة الحرب؛ ولذلك فإن إجراءات التسليم أو القبض علي هارون في ظل مشهد الحرب الحالي بمشاركة وانخراط منسوبي حزبه، يوضح بجلاء كمَّ التعقيدات السياسية واللوجستية والسياسية المحيطة بتسليم رجل يعتبر فعليا ضمن مجموعة الخمسة الأساسيين من لوردات الحرب في السودان، وبالتالي فإن هذه الوضعية التي يتمتع بها الرجل على الأرض هو ما يعيق مهام تسليمه، لكن وعلى النقيض، فإن وضعه ضمن المطلوبين من قبل الولايات المتحدة هو ما يكبح ويعيق أي طموحات مستقبلية له في المشهد السياسي ما بعد الحرب.
يضع المحلل السياسي ماهر أبو جوخ، عدد من السيناريوهات في تنفيذ الدول لإجراءات القبض على أحمد هارون يبدأ بشكل صلتها بنظام الحكم القائم في السودان ومصالحها المرتبطة بالسودان وعدم تعرضها لأضرار أو ردة فعل إذا ما كان هذا الإجراء، أي القبض بشكل قسري أو عن طريق التوقيف والتسليم. ولعل صعوبة حركة بقية المطلوبين وهما: البشير وعبد الرحيم محمد حسين، هو ما أعاق فرص هروبهما لخارج السودان حتى بعد اندلاع الحرب باعتباره يمثل حرجا كبيرا للدول المستضيفة لهم لكونهم مطلوبين، ولذلك في حال حدوث سيناريو بخروج أيا من المطلوبين لدى الجنائية الدولية لأي دولة خارجية فإن سلامتهم واستمرار هروبهم رهين بعدم تسرب معلومات عن جودهم في تلك الدولة، لأن ذلك سيترتب عليه ضغوط بتسليمهم أو إبعادهم في الحد الأدنى، وإذا حدث السيناريو الثاني، فسيكون مصيرهم مماثلا لمصير زعيم حزب العمل الكردستاني التركي عبدالله أوجلان إذ سيجابهون الأبواب المغلقة حتي يقعوا في المصيدة ويتم القبض عليهم، ما يجعلهم يختارون البقاء في السودان رغم مهددات الحرب بوصفه البديل الأكثر أمانا بالنسبة لهم خاصة مع انعدام صفاتهم الدستورية التي كانت تساهم لقدر كبير في توفير الحماية لهم. ويضف أبو جوخ لـ(السودانية)، إن الاعتقال والمحاكمة للمتهمين مهمٌ للضحايا والعدالة وأكثر أهمية في ظل انتهاكات الحرب الحالية، وأن القرار بحق أحمد هارون فحواه بسيط ومباشر ويقول بشكل ضمني “تجاوزاتك السابقة لم ننساها ولا زلت مطلوبا، وسيتم القبض عليك أو تستمر بقية حياتك هاربا فلا مجال لاي مستقبل سياسي لك