في الفترة الأخيرة، بدأت أطرافٌ حقوقيةٌ وغير حقوقيةٍ في العمل علي إيجاد آليات للتعامل مع الأطفال الشهود والضحايا في النزاعات المسلحة في السودان، لهذا الغرض أقامت مؤسسة “وايامو” قبل أشهر ورشة، كان من ضمن أجندتها كيفية التعامل معهم، خاصة في ظل الحرب الدائرة في البلاد، وشارك مئات الأطفال في الحرب، خاصة بعد أن أشارت بعض التقارير إلى تورط قوات الدعم السريع في تجنيد ممّن دون سن الثامنة عشر.
ولذا، بدأت محكمة الجرائم الدولية منذ سنوات في تكريس اهتمامها بالأطفال ضحايا العنف ورفع قضاياهم في المنابر الدولية الممثلة في المحاكم الدولية، تم إدراج الجرائم الدولية الخاصة بالأطفال في النظام الأساسي للمحاكم الدولية الحديثة، وهي تشمل الإبادة الجماعية، وقتل الأطفال، والجرائم المتعلقة بتجنيد الأطفال، واستخدامهم للمشاركة في الأعمال العدائية، وجرائم الزواج القسري، والاستعباد، والعنف الجنسي والتعذيب. إلخ….
ويتضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إشارات أخرى إلى الأطفال باعتبارهم ضحايا الجرائم الدولية، ويُذكّر الدول الأطراف، بوقوع الملايين من الأطفال والنساء والرجال ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها، وباعتبارها صدمة عميقة لضمير الإنسانية، وكذلك الجرائم التي تنطوي على العنف ضد الأطفال، ويجب على المحاكم الجنائية الدولية أن تكرس الجهود بالاهتمام بفئة الأطفال كفئة منفصلة من الضحايا، لا سيما فيما يتعلق بالعنف الجسدي والجرائم المرتبطة بالجنس.
في ورقة “الأطفال والضحايا والشهود في العدالة الجنائية الدولية”، وفي ما يتعلق بهذه الإجراءات، تشير إلى آليات هذه الإجراءات الممثلة في حماية الأطفال الشهود والضحايا، باعتبارهم كفئة من الضحايا المعرضين للخطر بشكل خاص، إما لأسباب شخصية الخصائص أو بسبب ظروف الجريمة، ويجب الاستفادة من التدابير التي تناسب حالتهم، أن الأطفال الضحايا الذين هم ايضا شهود في الإجراءات الجنائية، غالبا ما يملكون أفضل الأدلة، ويستحقون المزيد من الاهتمام وتدابير الحماية المحددة.
يجب أن يشارك الأطفال الضحايا في اتصال مع عملية العدالة الجنائية على المستوى الوطني، وكذلك على المستوى الدولي، وبحسب المتابعين، أن هذه الأمثلة تحدث بشكل متزايد على كل المستويات، وتقدم في إحراز تقديم في حماية الضحايا الشهود في العدالة الجنائية الدولية منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، باعتبارهما محكمتين جنائيتين مخصصتين، وقتها، طرأت تحسينات كبيرة، بما في ذلك إنشاء إطار مناسب للأطفال.
أشارت الورقة إلى أن الكثير من الأطفال كانوا متورطين بشكل مباشر في الجرائم ليس كضحايا، لكن أيضا كمرتكبين، وبعد ذلك، أصبحت المحكمة الجنائية الدولية رائدة في هذا المجال، ووضع نظام أكثر شمولاً لحماية ودعم الضحايا، وأكدت الحاجة إلى الاهتمام الخاص للجنود الأطفال السابقين الذين يعملون كشهود، وأن الجنود الأطفال السابقين، هم الأكثر عرضة للخطر من غيرهم من الشهود، ويحتاجون الى محاكمة، والمتابعة الدائمة أثناء الشهادة وبعدها.
بينما تقول ورقة الدليل الإرشادي للحقوق الاجرائية للأطفال المجني عليهم والشهود على الجرائم، تم إدراج حزمة واضحة ومحددة من المعايير الدولية التي تتعلق بإجراءات العدالة و تتلاءم مع ظروف الطفل، وذلك ضمن مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن تحقيق العدالة في المسائل المتعلقة بالأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها “لصادرة عام ٢٠٠٥”والتي ترتكز بدورها علي الأحكام المنصوص عليها في ” اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الصادرة عام ١٩٨٩” والتي انضمت إليها العديد من الدول.
تمت صياغة هذه المبادئ التوجيهية بمزيد من التفاصيل في دليل الأمم المتحدة للمهنيين ومقرري السياسات بشأن العدالة المتعلقة بالأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها، وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي، حق الطفل في الحماية من التعرض للتمييز، وحق الطفل في الاطلاع علي المعلومات، وحق الطفل في الاستماع إليه وإليها، وفي التعبير عن وجهات النظر والشواغل التي تخصه وتخصها، وحق الحصول على مساعدات فعالة، والحق في صون الحرمة الشخصية ومراعاة الخصوصية، والحق في الحماية من المشقات اثناء اجراءات العدالة، والحق في الأمان والسلامة، والحق في الانتفاع من تدابير وقائية خاصة، والحق في التعويض “الحق في جبر الضرر”.
إضافة لذلك، يجب النظر إلى أهداف المبادئ التوجيهية، التي تحدد مسارات مختلفة يمكن إنتاجها من قبل بعض الجهات المعنية بالعدالة الجنائية للطفل على نحو يكفل توفير الحماية لصالح المجني عليهم، والشهود على الجريمة، والتعامل معهم بصورة فعالة وواعية تراعي ظروف هذه الفئة من الأطفال، وعلى وجه التحديد، تهدف إلى تمكين المتخصصين والمهنيين من التعرف على الأحكام ذات الصلة والمنصوص عليها في القوانين الوطنية.
يجب استيعاب التأثيرات والعواقب، والصدمات النفسية الناجمة عن الجرائم، التي يتم ارتكابها ضد الأطفال، من خلال سبل رصد الأطفال المعرضين للخطر، وتوفير الدعم والحماية، والتعرف على المسارات الواجب اتباعها عند إحالة الأطفال إلى المنظمات والمؤسسات الداعمة، واستيعاب الاهمية الكامنة في مراعاة صون حق الطفل في الحرمة الشخصية ومراعاة الخصوصية.
يوضح كتاب القانون النموذجي لحماية الطفل، أفضل الممارسات “حماية الأطفال من الإهمال والإيذاء وإساءة المعاملة والاستغلال”، ويشير الفصل المتعلق بحماية الأطفال في النظام القضائي، ومبادئ الدعاوى القضائية التي تتضمن الأطفال، قبل المشاركة في أي دعوى قضائية من شأنها التأثير على حقوق الطفل ومصالحه، سواء كان مشتركا في الدعوى كطرف فيها أو كمتهم أو ضحية أو شاهد، يجب أن تُوُفّر للطفل كل المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارا متأنيا بشأن مشاركته في الدعوى القضائية والعواقب المحتملة لهذه المشاركة.
يُبين الكتاب، فيما يتعلق بحماية الأطفال الضحايا والشهود، على أنه يجب أن يزود الأطفال الضحايا أو الشهود في دعاوي قضائية، أو آباؤهم، أو الأوصياء عليهم، أو من يتولون الاهتمام بهم بالمعلومات ذات الصلة، ويجب أن تُوفّر لهم الدعم الطبي والنفسي وغير ذلك من صور حماية الطفل، إلى جانب ما يترتب من اجراءات العملية القضائية، بما في ذلك، دور الطفل الشاهد أو الضحية، واهمية الشهادة التي يدلي بها الطفل ووقتها، وطريقة الإدلاء بها، وطريقة الاستجواب أثناء التحريات والمحاكمات، وسير القضية وتنظيمها، بما في ذلك، اعتقال المتهمين والقبض عليهم والتحفظ عليهم، وغير ذلك من التغييرات الطارئة عليهم.
ويجب أن يرافق الآباء أو الأفراد المعنيين بالطفل الشاهد أو الضحية من عائلته أو الأوصياء عليه، الطفل في كل مراحل المرافعات والدعاوي، وتُقرّر المحكمة عدم مرافقة هؤلاء الأطفال متى ما رأت أن حضورهم إلى المحكمة سوف يتعارض مع مصلحة الطفل ومن ثم تقرر حضوره بمفرده، وأيضا يُعامل الطفل باعتباره شاهدا قادرا، وذلك رهنا بفحص تلك القدرة، وينبغي أن لا يفترض مسبقا أن شهادته باطلة أو غير جديرة بالثقة بسبب سنه فحسب، وللطفل الضحية أو الشاهد سحب إفادته أو شهادته في أي وقت من المرافعات دون التأثير سلبا علي مرتكب الجريمة، ولا يفترض مسبقا أن إفادة الطفل أو شهادته هي اتهام الشخص الجاني.
إن الغرض من وثيقة حماية الأطفال ضحايا وشهود هو توفير التوجيه العملي والقانوني للمدعين العامين الذين يتعاملون مع القضايا التي تتعلق بالأطفال، المادة (١) من اتفاقية الأمم المتحدة تُعرّف الطفل بأنه أي شخص لم يبلغ بعد عيد ميلاده الثامن عشر، كضحايا وشهود.
ويري المراقبون، بأن هذا التوجيه يحدد التدابير التي يمكن اتخاذها للمساعدة في حماية الأطفال أثناء الإجراءات الجنائية، ولكن، يمكن تلخيص الموقف في المبادئ التالية، السرعة، والحساسية، والإنصاف.
ومهما كانت الجريمة، ينبغي للمدعين العامين النظر في وضع الطفل وما يمكن القيام به، مع مراعاة دور المدعي العام وسلطاته، لحماية الطفل، ويجب وضع الارشادات التي توفر اجراءات مفصلة موصي بها لمقابلة الشهود، وكذلك مراجعة القضايا التي يكون فيها الطفل ضحية أو شاهدا، ويجب تقليل التأخير إلى الحد الأدنى من أجل تقليل مستويات التوتر والقلق بشأن العملية التي قد يشعر بها الطفل.
يري الناشط الحقوقي إدريس يعقوب، إن صعوبة وجود قانون مثالي لحماية الأطفال، سواء كانوا ضحايا أو شهود في السودان، في ظل الحرب التي اندلعت في ابريل ٢٠٢٣، يمكن تفعيل القوانين المحلية السودانية كي تتماشي مع ما يجري من انتهاكات تطال الأطفال السودانيين، بما في ذلك، تجنيد قوات الدعم السريع للأطفال من إقليم دارفور، لمساندتها في الحرب ضد المؤسسة العسكرية، وأوضح إدريس، أن الغرض من اتفاقية حماية الأطفال كشهود وضحايا، يهدف إلى عدم تكرار الانتهاكات ضدهم مرة أخرى.
يضيف إدريس، أنه يجب معرفة اهمية التعرف المبكر للصدمات التي تعرّض لها الأطفال في النزاعات المسلحة، والمشاكل النفسية والاجتماعية لهم، لأن لها أثر سلبي أو إيجابي في الإداء في عملية الشهادة بعد انتهاء الصراع في السودان، ويناشد الاجسام الحقوقية والإنسانية بوضع التدابير اللازمة لمنع المزيد من الصدمات النفسية الخطرة على مستقبلهم ما بعد الحرب، مشيرا إلى عدم تجاهل دور المجتمعات المحلية والدولية في العمل على توثيق واكتشاف أعداد الأطفال المتضررين، لما له من اهمية من إيجاد المعالجات النفسية والاجتماعية في مستقبل ما بعد انتهاء الصراع المسلح في السودان.
يقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، عثمان صالح، إن الأطفال سواء كانوا ضحايا أو شهود في النزاعات المسلحة، والنزاع في السودان، أشكالا من الضحايا المدنيين، بما فيهم أطفال، قد تعرضوا لانتهاكات في مسألة تجنيد الأطفال أو الاعتقال أو التعذيب، والاغتصاب والعنف الجنسي الممارس عليهم.
يتابع عثمان، قد يكونوا ضحايا لمثل هذه الممارسات، أو يكونوا شهودا لانتهاكات حدثت أمامهم، وبالتالي، فإن مثل هذه الحالات، يُفترض أن يُعامل الأطفال بطريقة خاصة، واخضاعهم لمعالجة نفسية واجتماعية من قبل الاخصائيين.
يضيف عثمان، كي يكون الأطفال الشهود جزء من الاجراءات القانونية أمام المحاكم أو آليات العدالة غير قضائية، يجب في المقام الأول توفير الحماية للأطفال الضحايا والشهود، هذه الحماية تُوفّر منذ بداية التحقيقات، وكل الاجراءات غير القضائية، أثناء هذه الاجراءات وما بعدها أيضا، إذا تعرضوا لأي عنف آخر قد يؤثر عليهم نفسيا، ومستقبلهم، إضافة لذلك، فإن مسألة الاستجواب في المحكمة، يمكن لهم السماح للإدلاء بالشهادة في مكان مجاور للمحكمة، في غرفة تابعة لها، موصولة بشاشة، أو مكبرات الأصوات.
أوضح عثمان، أن الطفل لا يُسمح له برؤية أولئك الحضور في المحكمة، خاصة المتورطين في الانتهاكات، لأن رؤيتهم قد تجعله غير قادر علي الإدلاء بالشهادة، ومن الاجراءات التي يجب أن تضع في الحسبان، إن المحاكم يجب أن تراعي اجراءات استجواب الأطفال، بصورة ليس فيها نوع من الإرهاب أو التخويف، أو أي شكل من أشكال التنمر عليهم، كي يدلوا بشهادتهم دون أي ضغوط، بشرط أن توفر لهم المحكمة الحماية الكاملة أثناء هذه الاجراءات.
يطالب عثمان، بمراعاة ظروف الحماية لهم، والاستماع إليهم، واخذ آراءهم، ومعرفة رغباتهم إذا كانوا يريدون تعويضات أو محاكمة مرتكبي الجرائم، مع أن التعويضات بالنسبة لهم في غاية الاهمية، لأنها تسهم في العلاج النفسي.
يجب الاعتراف بالصعوبات الرئيسية التي يواجهها الأطفال الضحايا والشهود، التي يعبّر عنها مكتب المستشار العام للضحايا، وتتمثل في إمكانية التعرض للترهيب من قبل المتهمين، وعدم القدرة على تذكر تفاصيل ما حدث بشكل كامل، والخوف على أمنهم، والرفض من قبل مجتمعاتهم، إلى جانب صعوبات إعادة الاندماج في المجتمع، والمشاكل النفسية المترتبة على سنوات الانخراط في الأعمال العسكرية.
يجب وضع التدابير التي تتمثل في توفير الرعاية النفسية والاجتماعية قبل اجراءات المحكمة، ويتم تهيئة الطفل لتلك الاجراءات، كي لا يتفاجأ ويدخل في حالة من الرعب، وأن يكون مهيأ نفسيا، ومدرك لشكل المحكمة. إلخ… إضافة لذلك، فالكثير من المحاكم لا تقبل فكرة الشهادة المسجلة خارج المحكمة، حتى لو أدلى الشاهد بشهادته يجب أن يتم استجوابه مره أخري في المحكمة، من أجل الوصول إلى الحقيقة.